السبت، 18 ديسمبر 2010

دروس عاشوراء

درس الإصلاح والأمر يالمعروف والنهي عن المنكر


السيد محمد الياسري
يستفز السؤال الكبير عقل الباحث .. عن حقائق وملابسات ملحمة عاشوراء الدامية الخالدة . وماسعت إليه من أهداف .. وما إنطوت عليها من أسرار ؟ ..

  وهنا تشرأب أعناق بعض المفردات وتشمخ مفاهيم وقيم كان لها حضورها في خطاب بطل الملحمة الأول ورائد الثورة .. مما يبين موقعية وأهمية خاصة لتلك المفردات والمفاهيم والقيم في أفق النهضة أو الثورة أو ماشئت فعبر .. 
فماهو عماد الثورة وماهو أساسها وسر إنطلاقها الأول ؟ هل هو رسائل أهل الكوفة ؟ كما تصور البعض وتسائل آخرون .. وهل هو رفض إعطاء البيعة ليزيد ؟.. 

    نعم كان لكل تلك المسائل وغيرها حضورها في واقع الحال .. لكن الإمام الثائر كان بعيد المدى شديد القوى كأبيه "عليهما السلام " فهو رجل الفعل وليس رد الفعل ..  ففعله كان صيحة حق بوجه باطل قد إستشرى وإنحراف خطير قد أصاب مسيرة الإسلام الأصيل وخط الخلافة الإسلامية .. بعد أن حولها معاوية بن أبي سفيان الى ملك عضوض .. أورثه لأبنه المراهق الذي لايراعي الضوابط الشرعية ولاالعرفية مستندا الى زمرة منسلخة من كل قيمة إنسانية فضلا عن الإسلامية .    فالخلافة أصبحت سلطة جائرة ظالمة مترفة فاسقة وقحة عصبية قبلية .. وهو خطر ينذر بالقضاء على الإسلام . 

  من هنا كان خروج الإمام ع من مدينة جده الى مكة ثم الى العراق فعلا ورد فعل .. وقد قطع حجه ليؤكد أهمية الرسالة التي يحملها .. فهل يطوف حول البيت وهناك من يطوف حول قصور الظالمين ؟ وهل يقبل الحجر الأسود وهناك من يقبل الأيدي الآثمة ؟ وهل يركع ويسجد عند مقام إبراهيم وهناك من يركع ويسجد عند أقدام السلاطين؟ وهل يسعى بين الصفا والمروة وهناك من يسعى بين ظالم وظالم لخراب البلاد والعباد؟ وهل يلبي وهناك من يلبي نداء الطاغوت ؟ وهل يذكر ويتلوا ويسبح لله تعالى وهناك آلهة مزيفة من البشر في جاهلية ثانية وهي جاهلية الإنقلاب على الأعقاب .. بعد أن كانت من الحجر في الجاهلية الأولى ؟    وأي قيمة ستبقى لكل تلك العبادات مع وجود ذلك الإنحراف الكبير .. فلابد من تغيير ولابد من إصلاح ولابد من أمر بمعروف ونهي عن منكر ..

  ولذلك أوضح الإمام الثائر الناهض الهدف الأساس لتحركه في رسالته الى أخيه محمد بن الحنفية وكان مصابا بشلل في يديه لا يقوى بسببه على الجهاد فتركه في المدينة وكتب له موصيا ((هذا ما أوصى به الحسين بن علي أخاه محمدا المعروف بإبن الحنفية .. ـ حتى يصل الى قوله ـ إني ماخرجت أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي رسول الله وأبي علي بن أبي طالب )) .  فيتضح أن هدفه الأساس هو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. إصلاح ما أفسده بنو أمية في أمة جده .. 

  فأولئك الناس الذين يطوفون ويركعون ويسجدون للظالمين .. لاأقل يدعون أنهم أمة جده .. وقد ظلوا الطريق خوفا أو جهلا أو طمعا .. ((قلوبهم معك وسيوفهم عليك )) .

  وقيمة الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمة عليا متقدمة على غيرها ..        ((ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقران ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم * التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين )) التوبة 111/ 112 .    كما بين الإمام الشهيد "ع" الأساس النبوي لثورته التغييرية ونهضته الإصلاحية  .. ناقلا قول النبي المصطفى ص ((من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله .. )) 
وعنه "صلى الله عليه وآله وسلم" ((إذا تواكلت الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله)) . 
  وأكثر من ذلك كما أسلفنا في الإستشهاد بالقرآن الكريم فقد إستند الإمام في دعوته التغيرية الإصلاحية التقويمية وفي أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن النكر الى صريح الكتاب الكريم .. 

  قال تعالى ((فلولا كان من القرون من قبلكم اولوا بقية ينهون عن الفساد في الارض الا قليلا ممن انجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين )) هود116. 

وقال سبحانه ((كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون )) المائدة79. وقال تبارك أسمه ((ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون))آل عمران 104. 

  وقال عز وجل ((لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما)) النساء 114. 

  وقال ذو الجلال ((قال يا قوم ارايتم ان كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب)) هود 88. 

  وقال ذو الإكرام((يا بني اقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور))17لقمان.    وقال أيضا ((كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو امن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون واكثرهم الفاسقون))110. 

  وقال أيضا((يؤمنون بالله واليوم الاخر ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين)) 114آل عمران. 

  وقال أيضا((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم)) 71التوبة .    وقال أيضا((الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور))41الحج . وليس مسألة فرعية يمكن نفيها أو حذفها أو تغييبها .. بل هي حاضرة على الدوام في كل زمان ومكان ..

السبت، 11 ديسمبر 2010

درس الهجرة الى كربلاء


درس الهجرة الى كربلاء
السَيد مُحَمد الياسِري

   الهجرة .. درس بليغ من دروس عاشوراء .. وقد لازم درس الثورة على طول المسار الطويل لصراع الحق مع الباطل والخير مع الشر ..
   والهجرة لغة " كما جاء في لسان العرب لإبن منظور وتاج العروس للزبيدي " مادة (هجر) الهجر ضد الوصل هجره يهجره هجرا وهجرانا وهما يهتجران يتهاجران وفي حديث          " لاهجرة بعد ثلاث" .
  أما الهجرة في الإصطلاح الشرعي فهي الخروج من دار الحرب الى دار الإسلام .. وقال إبن العربي وإبن قدامة .. هي الخروج من دار الكفر الى دار الإسلام .. وقالوا هي الإنتقال من مواضع الشرك والمعاصي الى بلد الإسلام والطاعة ..
   وتلك هي الهجرة المباركة التي دعا لها صريح الكتاب الكريم .. قال تعالى ((إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ))النساء97.
   وهناك هجرة إرادية وأخرى غير إرادية .. ولعل هبوط  آدم النبي ع كان أول هجرة غير إرادية . كما أن للأنبياء والرسل هجراتهم .. كنبي الله نوح ع الذي جاء قومه الطوفان .. ونبي الله إبراهيم الذي هاجر وزوجه هاجر وولده إسماعيل الذبيح الى واد غير ذي زرع .. ووضع القواعد وأذن في الناس بالحج .
   وخرج النبي موسى ع من مصر لأن فرعون وأتباعه كانوا يريدون قتله .. قال تعالى ((فخرج منها خائفا يترقب)) القصص 21.
   وأشهر هجرة .. سجلت في تاريخ البشرية وأحدثت تحولا في حياة الناس .. هي هجرة النبي الخاتم محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" من مكة الى يثرب .. المدينة المنورة لاحقا.. وكانت تكليفا إلهيا وليست تشريفا كما حصل في الإسراء والمعراج .
   وقد أبلغ إبن عمه وصهره وخليفته من بعده الإمام علي بن أبي طالب "ع" بمؤآمرة قريش التي تستهدف الرسالة الإسلامية بإستهداف حياة رائدها .. فقد دبروا له مكيدة في إجتماع تم بدار الندوة بتحريض من أبي سفيان وأبي جهل .. خططوا خلاله لإستهداف النبي وإشراك جميع قبائل المشركين في مكة ليضيع دمه بين القبائل ..
   وبأمر إلهي ((وماينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) طلب من أخيه ووزيره علي ع أن يبيت على  فراشه .. فقال له أوتسلم يارسول الله : قال نعم قال : إذن إذهب .. ولذلك يشير القرآن الكريم ((وإذ يمكر الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )) وفي ذلك نزلت الآية ((ومن الناس من يشري نفسه إبتغاء مرضاة الله إن الله رؤوف بالعباد)) .
   تلك هجرة كانت في السادس من ربيع الأول للحفاظ على أرواح المسلمين الأوائل وكانوا فئة قليلة .. وللحفاظ على الأمر العظيم الذي سبق أن ساومته عليه قريش فرد بقولته الشهيرة "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري... "
  تلك هجرة كانت للحفاظ على الأرواح من أجل الحفاظ على الإسلام .. وهجرة ثانية كانت للتضحية بالأرواح لتلافي التضحية بالإسلام .. وهي تكليف إلهي وواجب شرعي أيضا .
   وهي هجرة الحسين بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله من المدينة الى العراق .. فبعد أن أحدق الخطر بالإسلام وكاد أن يقضي على معالمه .. كان لابد من هجرة ولابد من ثورة ولابد من دم طاهر يوقظ الضمائر وشهادة مقدسة ترد المعالم من الدين .
   فالحزب الأموي قد تسلق الى كرسي الخلافة الإسلامية بالتلاقف الذي هتف به أبو سفيان "تلاقفوها ياآل أبي سفيان" .. "فأصبح التوحيد ستارا للشرك ، والإسلام يعني الإستسلام للحاكمين ، والسنة قاعدة للسلطة ، والحديث عرضة للوضع والتزوير والتحريف ، وبعض أصحاب السابقة تقاضوا ثمنهم ولايات وأمارات ، وإعتزل فريق وفريق ساوم ، والسابقون السابقون أولئك المبعدون المنفيون الى صحراء الربذة المجزرون في مرج عذاء المساقون الى قصر الخضراء .
   فمن لدين الله وهاهو ينتهك ؟ ومن لعباد الله وقد أجبروا على عبادة طاغية الشام يزيد ؟ وماذا ينتظر إبن محمد وعلي ؟ فسطع ضوءه في ظلام مطبق وبانت ملامح الأمل الجديد ..
   الكل يعرفه .. ويعرف مكانته العالية عند رسول الله القائل ((حسين مني وأنا من حسين )).
   فهاهو يستعد لكتابة قصة الفداء بدمه على تراب كربلاء .. ((ألا وأني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما )) .
  الكل يعرف من هذا الذي يحمل روحه على راحه .. والكل يعرف من هذا الذي أعاد صوت محمد بعد أن كاد يتلاشى .. إنه إبن بنت النبي الوحيدة .. إنه إبن فتى الإسلام وليث الوغى الذي شهدت له ساحات بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين والبصرة وصفين .. والكل يعرف من هو علي جيدا ..
   فها هو الحسين يهاجر ثائرا من أجل رسالة جده السماوية لئلا تنطمس .. وهاهو يهاجر ثائرا من أجل الفقراء والمستضعفين والمحرومين والمعذبين الذين يساقون سوق الغنم الى قصر الخضراء .
  هاجر الى العراق بعد أن بعث الى أهل الكوفة إبن عمه وأخاه وثقته من أهل بيته مسلم بن عقيل الذي تخاذل عنه الناس وتكالب عليه المجرمون إبن زياد وجلاوزته .
   هاجر الى العراق والمنادي ينادي القوم يسيرون والمنايا تسير معهم وهو يسترجع وعلي الأكبر لا يبالي بالموت محقا .. لايبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه .
   كان أبو عبدالله مهاجرا الى الشهادة فهو على موعد معها وعلى يقين بها وهي في ثقافته زينة الرجل الثائر (( خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة .. وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس وكربلاء )) .
   فهي إذا هجرة مقدسة ملازمة للثورة على الظلم الذي مارسته السلطة الأموية الحاكمة بإسم الإسلام وهو منها براء .. بعد أن تخلت عن المنهج الإسلامي .. فحولت الخلافة الإسلامية الى ملك عضوض .
   وهجرته مقدمة لثورة تغييرية شاملة ترفع شعار أصالة الرسالة ورفض الظلم والفساد والإنحراف . . من المدينة الى مكة ثم الى العراق حيث الكوفة ثم إضطره جيش قوامه ألف فارس يقوده الحر بن يزيد الرياحي الى تغيير مساره بإتجاه رمضاء الطف .. كل ذلك في سبيل الله ورسوله وقد ورد ((من كانت هجرته لله والرسول فهي لله وارسول ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إمرأة ينكحها فهجرته لما هاجر إليه )) .
  فتلازم مفهوما الهجرة والثورة في ملحمة عاشوراء الخالدة وكلاهما يهدف التغيير وكلاهما يتأسس على إشكالية الظلم .
   وكان لتلك الهجرة الحسينية المباركة دورها الفاعل في تغيير حياة المسلمين .. كما كانت هجرة جده منعطف تحول في حياتهم وأصبحت تأريخم الذي يبتدئون به وينتهون إليه .. وذلك بإقتراح من أبي الحسنين علي بعد أن إختلف المسلمون في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فقال أحدهم نجعلها من عام الفيل وقال ثان وقال ثالث فدخل علي ليحسم النزاع فقال نؤرخ من هجرة الرسول فإستحسنوها وقال عمر ((لاأبقاني الله لمعضلة ليس فيها أبو الحسن)) . ثم إمعانا من الأمويين في حرف التأريخ عمدوا الى تغيير رأس السنة الهجرية من السادس من ربيع الأول الى الأول من محرم لإظهار الفرح والسرور بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام  .
   وما أحوجنا اليوم أخوتي المسلمين الى هجر الذنوب .. والهجرة نحو الله تعالى ورسوله .. والهجرة لنشر الدعوة الإسلامية في ربوع العالم .

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

مدرسة عاشوراء

 مدرسة عاشوراء                   


                      السيد محمد الياسري



عاشوراء مدرسة القيم النبيلة .. ومفاهيم الحياة الهادفة .. تعلم ويتعلم منها المسلمون وغير المسلمين درس الحرية على مر العصور وتعاقب الدهور .
   مدرسة .. رسخت في الذات المسلمة حفظ الكرامة الإنسانية ورفض التسلط الجائر . . وعاشوراء حركة دامية حفزت الكامن في النفوس وأثارته للوقوف بوجه الظلم والظالمين في أي زمان كانوا وفي أي مكان .. فكل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء .
  مدرسة .. لخصت وإختصرت فكر وسلوك أستاذها الأكبر الحسين بن علي بن أبي طالب "ع" وفكر وسلوك أهل بيته  وأنصاره .. وهي دروس لابد للمسلم وغير المسلم من تعلمها لمواجهة تحديات الحياة .
   وما أكثر تلك الدروس .. ولكن ما أقل وأندر من يتعلم الدرس الحسيني .. ليكتشف سر خلود هذه الملحمة ورموزها . . وما أقل وأندر من يتأمل في الواقعة ليتعرف على عبرها ويقف على معطياتها .. ويدرك المعاني الحقيقية لبعض الألفاظ المستهلكة في حاضر الناس .. فتضج الساحات بمقولات لم تفهم بعد كما أراد أبو عبد الله بل لا يراد لها أن تفهم .. التحرر ، الجهاد ، الصلاة ، الإيثار ، الصبر ، البصيرة ، الحياة الأبدية ، حب الله ، حب الشهادة ، الإباء ، الشهامة ، الشجاعة ، الوفاء ، النصر .. وعشرات بل مئات من مصفوفات القيم السامية الحية التي أفرزتها مدرسة عاشوراء .
   فمن عاشوراء نتعلم " كيف نثأر لله وحده لا لإنتساب أو إنتماء أو عصبية أوصيحة جاهلية أرضية.. ونتعلم كيف نضحي بالنفس والولد وبكل غال ونفيس ..وأن نؤمن بالسنة الحتمية القاضية بإنتصار الدم على السيف .. من أجل أن تبقى القيم الإسلامية وهي عينها القيم الإنسانية .. لا نظريات الإنسان القاصرة وحزبياته الضيقة وشعاراته المزيفة وضلالاته العمياء وأهواءه المتلونة ..
   ومن كربلاء نتعلم كيف نحمل القرآن شعارا ومنارا وهاديا ومبشرا ونذيرا .. قولا وعملا .. وهو الذي يهدينا للتي هي أقوم ويجنبنا الإنحرافات الأخلاقية والثقافية والسياسية والإجتماعية .
   ومن عاشوراء نتعلم أن المبدأ والرسالة قمة مقدسة تحرم المساومة عليها ويمنع التنازل عنها ولا يسترخى إزاءها ..   (( أشداء على الكفار رحماء بينهم )) .. في ذات الوقت الذي يتطلب القبول بالآخر كما هو لا كما نريد ونحاوره فيما عنده وما نريد دون مجاملة فكرية أو سياسية .
  ومن عاشوراء نتعلم كيف نقضي على أمراض فتكت بأمم من قبلنا كانت سببا من أسباب قتل الأنبياء والأولياء والتنكيل بهم .. وهي أمراض الإنهزام والتراجع والتخاذل والتواكل والضعف والخور .
   وإذا أردنا أن نكون تلامذة هذه المدرسة فعلينا أن نحرك الروح والكلمة والمال في خط الدعوة والخير .. وأن تنعكس شعارات كربلاء على طريقة تفكيرنا وتعاملاتنا وسلوكياتنا ..
 (( لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما )) و (( لا نبالي أن نموت محقين )) و (( والله إن قطعتموا يميني إني أحامي أبدا عن ديني وعن إمام صادق اليقين )) و (( الموت معك ياعم أحلى من العسل )) و (( الهي لك العتبى إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى )) و (( هيهات منا الذلة )) و (( إنما خرجت لطلب الإصلاح )) و (( على الإسلام السلام إذا إبتليت الأمة براع مثل يزيد )) و (( أنا أحق من غير )) و (( من كان فينا باذلا مهجته فليرحل معنا )) ..
    ومن أصحاب الحسين ع نتعلم الطاعة الخالصة للإمام والتنسيق التام مع قيادته والشجاعة الفريدة والمصابرة والتواصي والصمود وعدم المساومة .. والإنقطاع عن كل شي ماخلا الله تعالى .
   والدقة والتنظيم والإنضباط والمقاومة والوفاء بالعهد والأصالة والتحرر ولإستغناء عما سوى الله سبحانه واليقين والبصيرة والبناء الروحي .. فكانوا بحق خير أصحاب وأوفى أنصار .
    سيبقى عاشوراء درس جهاد وفداء لجميع المظلومين الثائرين والذين ينشدون الحرية .. وستبقى كربلاء درسا بليغا في الحرية .. فتلك أولوية كبرى من أولويات  نهضة الحسين وثورته وقد عبر عنها كثيرا (( موت في عز خير من حياة       في ذل )) وقال (( لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد )) وفي خطابه لجيش العدو قال (( ياشيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم )) .  ­


الأحد، 5 ديسمبر 2010

قريبا دروس من عاشوراء




كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء
بمناسبة ذكرى عاشوراء الفاجعة ستنشر على المدونة سلسلة دروس من عاشوراء

 للسيد محمد الياسري
وهي حلقات تلفزيونية ستنشر مكتوبة ..