الاثنين، 10 يناير 2011

أعلام السادة آل ياسر الكبير

 الخطيب العالم الجليل مثال الورع والتقوى
 السيد كاظم الخضري الحسيني الياسري 
  من أساطين المنبر الحسيني ، وجهابذة الخطباء الكبار السيد كاظم بن السيد علي بن السيد حمود بن السيد نوح بن السيد ناصر بن شلال جد السادة " أخوة سمية " آل ياسر .. الحسيني الياسري نسبا الخضري موطنا الخطيب مهنة وعملاً .
  لم أدركه ، ولم اعاصره ، ولم استمع إلى مجاله وتوجيهاته ولا حتى عن طريق التسجيل ، حيث ندرة اجهزة التسجيل بذلك الوقت ان لم يكن انعدامها ، وعدم اهتمام ذوي الشأن بالاحتفاظ بهذه المقالع الثرة ، والاعتناء بهذا التراث العظيم .
  فبإمكان الباحث أو الدارس في المجالات الأخرى ان يجد المزيد من الوثائق سواء منها المقروءة أو المسموعة أو حتى المرئية القديمة كالأشرطة المسجلة والمتلفزة وكالمجلات والدوريات المصورة التي ترسم صوراً واضحة عن شخصيات ونماذج قديمة ربما لا يشكل بعضها شيئاً تجاه حملة الفكر ودعاة المبدأ ، كالتسجيلات والوثائق القديمة لبعض أبطال الرياضة والملاكمة ولاعبي كرة القدم والمطربين والممثلين وغيرهم ، ومع كامل الاحترام لهذه الأنشطة والممارسات الاجتماعية ، إلا أننا نلقي باللائمة على من لم يلتفت عبر العصور المختلفة إلى الإحتفاظ بثروات هائلة على صعيد أساطين الفقهاء في بحوثهم العلمية وجهابذة العلماء في مقرراتهم ومحاضراتهم ، وأساتذة الخطباء في مجالسهم وتوجيهاتهم ، وعمالقة الأدباء في أشعارهم وانتاجاتهم الأدبية .
  ولا يخفى ما بذلك من سلبية وتحجيم لعطاء هؤلاء العمالقة واقتصاره على مجتمعهم وتقييده بحدود العصر الذي يعيشون فيه وبذلك حرمان الأجيال المتلاحقة من الاستفادة من هذه الخبرات ، والتزود من هذه المنابع الغنية والطاقات العالية .
فلو استقرأنا كل الأراشيف في حوزاتنا ، والخزانات في مكتباتنا لما وجدنا شريطاً سينسمائياً أو تسجيلاً صوتياً واحداً لاكبار العلماء وأعاظم الخطباء حتى المتأخرين الذين عاصرناهم في زمن وفرة الاجهزة الكترونية بكل أشكالها فمن المستحيل ان نجد شريطاً مسجلاً لبحث من بحوث المرجع الأكبر السيد أبو الحسن الأصفهاني ، أو المرجع الراحل السيد محسن الحكيم بل وحتى المرجع الشهيد الصدر ، ثم من المتعذر والمستحيل أيضاً أن تجد تسجيلاً صوتياً أو مرئياً لسيد الخطباء السيد صالح الحلي ، أو لشيخ الخطباء الشيخ محمد علي اليعقوبي أو غيرهما من الجيل الذي تقدمناه .
  ومما يذكر في هذا الصدد ما حرره السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب الياسري في مذكراته عن أستاذه الأكبر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وما كتبه لسيادة الدكتور الأستاذ حسن علي عباس لرفده وتزويده بمعلوماته وذكرياته عن الإمام كاشف الغطاء باعتباره تلميذه المبرز ليستعين بها في إعداد رسالة الدكتوراه التي خصصتها في الإمام كاشف الغطاء ، وقد راسل الأستاذ حسن المرحوم السيد بهذا الخصوص وأطلعني السيد في حينها على الرسالة وبعض إجاباتها ثم نشرت بعد وفاته في مجلة الموسم .
  فمن جملة اللقطات التي ألمح إليها سيدنا الفقيد هي الخطبة النارية الغراء التي خطبها الإمام كاشف الغطاء في القدس الشريف والتي تعتبر من أهم الوثائق التي تدل على وقوف علماء الشيعة في خندق واحد مع أشقائهم للدفاع عن حقوقهم المغتصبة وأراضيهم السلبية في فلسطين ، وذكر السيد الفقيد عن العلامة الشيخ قاسم محي الدين قوله :
  لما دعي الشيخ للمشاركة في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس ، عارض ذلك كثير من العلماء وأهل الحل والعقد من زعماء الشيعة لأن الشيخ هو الوحيد من علماء الأمامية الذي يحضر المؤتمر في مقابل المئات من علماء المذاهب الأخرى من مختلف الأقطار ، ولعله لا يستطيع أن يقوم بما ينبغي ، وفي فشله فشل الطائفة بأسرها ، ولكن الشيخ أصر على السفر وحضور المؤتمر ، وارتجل تلك الخطبة الغراء حتى إن من كان دورهم بعده امتنعوا عن التقدم لمنصه الخطابة خشية الفشل لأن الشيخ في خطبه بذّ من تقدم قبله وخاف الإنكسار من تأخر عنه .
وكان من المقرر أن يؤم المسلمين السيد أمين الحسيني مفتي فلسطين يومئذ ، ولكن السيد الأمين أبي أن يتقدم على الشيخ في الصلاة ، فقدمه وصلى خلفه ما يناهز الخمسين ألف من علماء المذاهب الإسلامية الأخرى وغيرهم من سائر المسلمين .
  ويتحدث السيد بأسف بالغ عن عدم وجود هذه الخطبة حتى في مكتبة الشيخ نفسه في النجف الأشرف برغم أنها طبعت في كراس وقد بذل السيد رحمه الله جهوداً في العثور عليها في المكتبة الظاهرية بدمشق في الملفات الخاصة بالشؤون الفلسطينية فلم يظفر بشيء ، وبحث عنها في المجمع العلمي وغيره من المضان الأخرى فلم يفلح في العثور عليها ، وكذلك يتحدث السيد عن خطبة أخرى أرتجلها الشيخ في مسجد الكوفة استمرت عدة ساعات ، وخطب مماثلة في النجف والبصرة والناصرية والحلة ، ثم يبدي أسفه لعدم وجود الاهتمام بتسجيل هذه الخطب بأجهزة التسجيل المتوفرة يومذاك .
  وأذكر أنني في نهاية الستينات وفي بداية مجيء العفالقة إلى الحكم حضرت خطبة هام ارتجلها العلامة الشهيد السيد مهدي الحكيم في الصحن الحيدري الشريف ، وكان غاصاً بالأمواج المتلاطمة من البشر ، وقد هز السيد الحكيم بذلك الخطاب الثوري كيان السلطة الحاكمة مطالباً أياها بحقوق الشعب المشروعة وحرية معتقداته ، وحماية العتبات المقدسة ، والكف عن ملاحقة الناس ، وممارسة الضغوط عليهم وخاصة في شعائرهم وقد بادرت يومئذ لتسجيل تلك الخطبة التاريخية على شريط كاسيت بجهاز تسجيل أقتنيته من الكويت عندما قرأت فيها بنفس العام ، وقد استعار مني ذلك الشريط المسجل سماحة الشيخ مهدي العطار حفظه الله ، وكان أستاذي في درس الفقه الإسلامي بكتاب شرائع الإسلام في مكتبة العلمين بمسجد الشيخ الطوسي ، ولا أدري أين مصير الشريط اليوم ؟.
ولو كان محفوظاً لكان من أهم الوثائق التي تتعلق بسيرة السيد الشهيد الحكيم وتاريخ جهاده ومواقفه الجريئة ، وأوليات الحركة الإسلامية في العراق .
  وفي عقيدتي أن عدم وجود هذا الجناح المهم في التوثيق وحفظ التراث لاعاظم الشخصيات يعود لعدة عوامل :
الأول : يتعلق بالظروف السياسية الضاغطة التي تتعامل معنا تاريخياً بمنطق القمع والإرهاب .
الثاني : إنعدام المؤسسات الإستراتيجية التي تقوم بدور الأعلام وحفظ التراث من الضياع عبر القنوات المختلفة في دوائر المرجعية العليا .
الثالث : عدم وجود الانفتاح بين أجهزة الدولة الإعلامية وطاقاتها الكبيرة في الإذاعة والتلفزيون ، وبين الطاقات الضخمة لرجالاتنا وشخصياتنا العملاقة ، فترى التحقيقات والمقابلات والحوارات قائمة على قدم وساق مع الفنانين والمطربين والرياضيين نساءاً ورجالاً ولحد الأشباع والتخمة ، بينما لا تجد لقاءاً أو حواراً أو محاضرة بشكل منتظم لعالم من علمائنا أو خطيب من خطبائنا إلا على سبيل الشذوذ والاستثناء .
  ولعل من أبلغ الشواهد على ذلك ما ذكره الأستاذ علي أحمد البغلي وزير النفط الكويتي السابق وعضو مجلس الأمة في مقال له نشرته الصحافة الكويتية بتاريخ 11 / 9 / 1992 تحت عنوان (عبقريات إعلامية) على أثر وفاة الزعيم الإسلامي الكبير السيد الخوئي طاب ثراه ، وأنهم أتصلوا بالإذاعة وبوزارة الإعلام لإذاعة النبأ تأسياً بالإذاعات الأخرى ، فكان الرد : وهل أن الخوئي كويتي حتى نعلن نبأ وفاته ؟! فكانت الإجابة المسددة إذاً هل أن عبد الحليم حافظ كويتي حتى قطعتم البرامج المعتادة وتوقفتم عن البث وأعلنتم نبأ وفاته !!؟؟(1).
الرابع : هناك عامل آخر وهو أن الكثير من شخصياتنا الدينية بعيدون كل البعد عن الأضواء والشهرة والتهالك على زخارف الدنيا فانهم يعيشون حياة بسيطة متواضعة برغم الملكات العالية ، وأما شريحة الخطباء فإلى وقت متأخر كنا نرى كيف أنهم يغضبون أشد الغضب إذا رأوا مسجلاً بيد أحد المستمعين ويمنعونه علناً عن التسجيل بمرأى من الناس ومسمع ، وربما تتدخل عوامل أخرى في هذا المنع غير الذي ذكرنا من رقابة التسجيل واحصاء الهفوات وقلة البضاعة وتكرار المحاضرات ، إلى أن تغيرت الدنيا وانتشرت التقنيات الحديثة ، ودخلت التكنولوجيا في كل مجال ، أصبحت الأجنحة المستقلة في كل مؤسساتنا للتسجيلات بمختلف أشكالها ، وبإدارتها الكفؤة ، وأجهزتها العملاقة وانتشارها المنتظم مسايراً للحياة الحديثة المتطورة المعاصرة .
والخلاصة : إن سيدنا المترجم لا نملك لمحاضراته تسجيلاً يعطينا فكرة متكاملة عن قابلياته العلمية أو كفاءته الخطابية ، غير أني سمعت الكثير عن شخصية السيد كاظم الحسيني منذ عهد الطفولة المبكرة ، فقد كان أسمه يتردد في أوساط بيئتنا مقروناً بالهيبة والإجلال والتقدير ، وكان ذكره لا يبرح ألسنة الجيل الذي سبقنا من أهلنا وشخصياتنا في مدينة الخضر ، وحتى أني أدركت أحد الأخيار من الشيبة وهو الشيخ علي صفر كان يجهر بصوت عال طالباً من الجميع قراءة سورة الفاتحة على روح السيد كاظم كلما عقد مجلس للحسين في أي مكان وزمان اعتزازاً وتقديراً ووفاءاً .
  وأما تلميذه البار وقرة عينه وابن عمه المرحوم الفقيد السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب الياسري فلا تكاد تخلو أحاديثه ومجالسه وشواهده من ذكر (السيد) حتى أصبح مصطلحاً إذا أطلق ولم يقيد فالمقصود به السيد كاظم كما أعتاد الفقهاء أن يطلقوا (الشيخ) على الشيخ الطوسي ، و(السيد) على السيد المرتضى .
أجل كان يثني عليه غاية الثناء ، ويطري شخصيته بإكبار واعتزاز ويستشهد بأحاديثه ومشاهداته ووقائعه بتأثر بالغ نظراً للملازمة الطويلة والأنصهار في شخصيته ، وسمعته يقول :
  حصل خلاف ـ ذات يوم ـ في مسألة لغوية بين المرحوم الشيخ أسد حيدر وجماعة من العلماء واحتدم النقاش ما بينهم فانبرى الشيخ أسد قائلاً سمعت ذلك من خالي السيد كاظم وهو لا يخطأ في ضبط الكلمات يقول ذلك بثقة وبصيرة وتحدي .
  لقد كان السيد المترجم قوي الحجة واسع المعرفة دقيق الملاحظة كما كان من ناحية أخرى جسوراً جريئاً مهيب الطلعة عزيز النفس موفور الكرامة ، ومن شواهد هذا الباب ما ذكره السيد عبد الزهراء رحمه الله أنه قصد عائداً أحد المرضى من معارفه ، فلم يقم المريض احتفاءاً واستقبالاً له ، واكتفى بالسلام عليه وهو على فراشه ، فالتمس له السيد أسباب العذر باعتباره مريضاً لا طاقة له على القيام والمجاملة وبينما السيد في زيارته وحديثه معه إذ دخل عليه أحد موظفي الدولة ، فانتفض المريض من فراشه مرحبا ومستقبلاً ، فما كان من السيد إلا أن وقف على قدميه وخاطبه بلهجة غاضبة قائلاً تعساً لأمك عذرتك لمرضك ، أما أن تقوم لهذا فهل هو أشرف مني ؟! وتركه وخرج .
  وكان قوي الحافظة متفتح الذهن ، متوقد الذكاء ، شديد التتبع ولما كف بصره في أيام الأخيرة كان يستعين في مطالعاته وقراآته بمجموعة من الشباب المثقف وخصوصاً الأستاذ دايم الثويني الذي يجيد أكثر من لغة كالإنكليزية والفرنسية بالإضافة إلى لغته العربية ، فإذا ما انتهى وقت المطالعة وحان الموعد الثاني لها يتذكر بكل نباهة ويقظة موضوع المطالعة ، ورقم الصفحة التي انتهوا عندها بل وحتى السطر الذي توقفوا عنده في قرائتهم السابقة .
  حدثني السيد جعفر الحسيني أن أخي السيد جبار سأل المرحوم والده بحضوره : لو أردنا أن نقسم المقدرة الخطابية والإحاطة بفنون المنبر على مراحل ودرجات فأين نضع السيد كاظم من اليعقوبي المعروف بشيخ الخطباء بذلك الوقت ، فأجاب السيد إن السيد كاظم أرفع درجة وأعلى مكانة من اليعقوبي لولا أن الأخير أنطلق من النجف واشتهر باشتهار أسمها ، وبقي السيد محجماً في الخضر بعيداً عن ، الأضواء والشهرة .
دراسته:
  تتلمذ على يديه ثلة من أعاظم الخطباء وفي مقدمتهم سيدنا الفقيد السعيد السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، والخطيب البارع السيد طاهر السيد حسن ملحم الياسري .
وحدثني والدي أنه كان يصطحب السيد المترجم في مجالسه السنوية بمناسبة شهر محرم إلى الناصرية ويقيم معه ، ويقرأ مقدمة أمامه وكان كثير التحدث عن مكارم أخلاقه ، وأنه كان يؤثره على نفسه لاسيما وأن الزمن كان زمن قحط وجوع ، وما ذلك إلا لسمو نفسه وطيب معدنه وتفقده لأرحامه ، حيث تربطنا به قرابة مباشرة عن طريق أمهات آبائنا فهو وأبي ولدا خالة من أختين شقيقتين خالصتين ومن نفس هذا المصدر تنبثق قرابتنا مع السيد عبد الزهراء والسيد طاهر والشيخ طالب حيدر والشيخ أسد حيدر ، وكذلك الحاج مدلول والحاج فاخر وليد الطائي .
 وذكره الأخ الفاضل السيد محمد طاهر ملحم  في الملف الخاص عن السيرة الذاتية للسيد عبد الزهراء الذي نشرته مجلة الموسم في عددها العشرين لسنة 1994 ، وأكتفى بذكر نسبه وما ترجمه له السيد عبد الزهراء في مصادره ، والشيخ الأميني في معجمه ، فأما السيد في المصادر فعرفه بما يلي :
  هو أُستاذي وابن عم والدي ، ولد في سنة 1306 هـ في ضاحية من ضواحي الناصرية حيث كان أبوه مزارعاً هناك ، ونشأ نشأة تلوح منها علائم النبوغ ، وأمارات العبقرية ، وتفرس فيه ذلك صهره العلامة الشيخ محمد حيدر رحمه الله فحثه على طلب العلم ، فهاجر إلى النجف الأشرف سنة 1320 هـ وجّد في الطلب ، وثابر على التحصيل ، وامتهن الخطابة ، وبرع فيها حتى صار موضع إعجاب المستمعين على اختلاف أذواقهم لغزارة علمه وفرة اطلاعه ، ومعرفة بحرمة المنبر ، وتحسسه بأدواء المجتمع ، ومشاكل الناس ، ومهارته في وصف الأدوية الناجعة ، ووضع الحلول النافعة ، بالإضافة إلى عذوبة منطقه ، وجهورية صوته ، ورخامته ، ووقاره المتناهي ، وأتزانه المنقطع النظير ، حتى قال في حقه الإمام الفقيد كاشف الغطاء ، وكانت بينهما مودة أكيدة :
(قلما رأيت مثله في صلابة إيمانه ، وتأثير موعظته) .
وفاته :
توفي رحمه الله في الخامس عشر من شعبان سنة 1370 هـ وكان من يومه مشهوداً ودفن في النجف الأشرف(2).
وكذلك ذكره سيدنا الفقيد في تقديمه لكتاب من لا يحضره الخطيب الجزء الثاني فقال :
ولا يمكنني ـ عرفاناً للجميل ـ الا أن أذكر السيد كاظم الحسيني الخطيب رحمه الله ذلك الرجل الذي صحبته أكثر من عشر سنوات ، واستمعت إليه أكثر من عشرين سنة ومازلت أتذوق قرائته وكان يعرف للمنبر قدسيته وللمجالس حرمتها ، وما رقى المنبر جنباً طول حياته ، وما رقاه بلا وضوء قرابة الأربعين عاماً كما سمعته يذكر ذلك لبعض تلامذته ، ولذا صار موضع إعجاب السامعين لغزارة علمه ... الخ .
  ولو أردت أن أذكر محاسنه وعبادته وأذكاره لطال بين المسير ولكن أسجل واقعتين شاهدتهما بنفسي والله شاهد على ما أقول :
  رأيته في ليلة عاشوراء جاء إلى أحد المجالس فلم يتخط عتبة الباب حتى أجهش الناس بالبكاء ، وأرتج المجلس بالنحيب فوصل المنبر وقد علت أصواتهم على صوته ، ولم يتمكن من اسماعهم لأنه لم تكن مكبرات للصوت يومئذ ولم يقرأ إلا بيت واحد باللغة الدارجة ، ونزل عن المنبر واستمر الناس بالبكاء مدة من الزمن ليست بالقصيرة .
  ثم رأيته في أحد مجالسه في الناصرية ولا أنسى أنها كانت الليلة الحادي عشرة من المحرم ، وهكذا ماج المجلس وهاج حتى رأيت رجلاً أغمي عليه من البكاء ، فحملوه إلى خارج المجلس وما أدري ما حدث له بعد ذلك(3) .
  وقال عنه الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني في معجم رجال الفكر والأدب : خطيب عالم جليل متكلّم فاضل ، مثال الورع والتقوى والصلاح ، كثير الدعاء والصلاة .
تتلمذ على علماء عصره ، وكان شديد الاتصال بالشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، ووكيله في الخضر ، وكانت له معه مراسلات وقد احتفظ بكثير منها ابن عمه السيد عبد الزهراء الخطيب ، وعاد إلى بلدته (الخضر) وواصل التوجيه وكفّ بصره في السنين الأخيرة ومات سنة 1370 هـ وله : تبويب كشكول البهائي ومجاميع في مختلف المواضيع 1 ـ 6(4) .
وتحدث المرجاني عند عرض ترجمته فقال :
  أما أسلوبه الخطابي فو أسلوب منقطع النظير ، يثير إعجاب المستمع ويجوز استحسانه ، ويخلب لبه من أي الطبقات ، هو بلاغة في القول ، وفصاحة في اللهجة ، وحفظ للنصوص ، وشرح للمتون ، وضبط للأسماء ، وبيان للغريب ، وعناية بالوعظ والإرشاد ، فإذا أحس من المستمع كلالا ، جاء بالنادرة اللطيفة ، والنكتة المضحكة ، مما يدخل في تلك الباب ويندرج تحتها ، حتى يعيد للمستمع نشاطه ، أضف إلى ذلك صوته الرقيق فالمترجم كان علماً من أعلام الخطابة ، وبطلاً من أبطال المنابر ، ورجلاً من رجال الإصلاح ، فكان كثيراً ما يرقى الأعواد في بلاده وناصرية المنتفك ، والبصرة والمعقل وسوق الشيوخ وبعض المدن الإسلامية ، وكان كثير الإطلاع والمطالعة حتى أثرت كثرة المطالعة في بصره فأخذ يتنازل تدريجياً حتى كفّ بصره تماماً في سنة 1366 هـ ، ولم يثن ذهاب بصره عن عزمه ولم يقصر من خطوه ، وكان على غاية من الذكاء وسرعة الحفظ(5) .
وإذا أردنا أن نلخص حياته في سطور فنقول أنه :
  ولد في قرية من ضواحي الناصرية تدعى (أبو غريب) حيث كانت أسرته مقيمة هناك لظروف عملها ، وقد توفي أبوه بعد ولادته بستة أشهر فرجع أهله إلى موطنهم الأصلي في مدينة الخضر فنشأ في أحضان أخواله آل حيدر وأشرف على تربيته المرحوم الشيخ محمد حيدر والد الشيخ طالب والشيخ أسد حيدر .
تلقى تحصيله العلمي في الفقه والأصول والنحو والمنطق والعلوم الأخرى في النجف الأشرف ، وبعد إكمال الدراسة عاد إلى بلاده وأقام فيها خطيباً مفوهاً مصلحاً . مدفنه :


  في الخامس عشر من شهر شعبان من سنة 1730 هجرية وفد عل ربه ، وحمل إلى النجف الأشرف ، وأوى إلى مثواه الأخير في مقبرة وادي السلام ، وقد زرت قبره فيما بعد وقرأت اللوحة التي نحتت بإسمه وتاريخ وفاته ، عندما دفنت والدي إلى جانب قبره سنة 1970م .

  وبعد وفاته بثلاثة أشهر توفي ولده السيد علي الذي لم يعقب ولداً ذكراً غيره ووري الثرى بقربه أيضاً وأرخ وفاته الأديب المعروف الشيخ علي البازي رحمه الله :

مـنابر الـحسين قـد ***** بـكت بـدمع سـاجم
فقد الخطيب البارع الـ ***** نـدب أبـي المكارم
وسـجـلت تـاريخه ***** بـرسم عـبد الكاظم

ذريته: انحصرت ذريته في ولده المرحوم السيد علي الذي أنجب أربعة من خيرة الشبان وهم : السيد حسين وقد امتهن الخطابة أخيراً بالإضافة إلى عمله الرسمي في دائرة البريد والبرق والهاتف ، والأُستاذ السيد جابر المدرس في وزارة التربية . والأُستاذ السيد نعمة الذي غدرت به يد الطغيان فأودعته السجون الرهيبة ولا يعرف مصيره إلى اليوم ، وأصغرهم السيد باقر وهو قمة في التهذيب والأخلاق العالية . رحم الله السيد الخطيب وفرج عن ذريته وأبناءه ، ووفقنا لاقتفاء أثره ، والاقتداء بسيرته على خط أهل البيت الطيبين الطاهرين .
(1) ـ مجلة الموسم عدد 17 لسنة 1994 .
(2) ـ مصادر نهج البلاغة واسانيده ، 1 / 217 .
(3) ـ من لا يحضره الخطيب 2 / 18 .
(4) ـ معجم رجال الفكر (2 / 506) .
(5) ـ خطباء المنبر الحسيني الطبعة القديمة ج3 ص38 .


أعلام السادة آل ياسر الكبير

العلامة المحقق الكبير السيد عبد الزهراء الخطيب الحسيني الياسري


 عالم محقق كبير صاحب كتاب مصادر وأسانيد نهج البلاغة الفريد في بابه .. وهو من أعلام السادة آل ياسر " أخوة سمية " في العراق .. والسادة آل ياسر "أخوة سمية" من حمائل السادة آل ياسر الكبير الجد الأكبر والذي منه جاء لقب الياسري .. وهو ينتمي إلى جده العالم الفقيه الثائر  زيد الشهيد ( ع ) .. ولهذه التسمية أصل طريف , فقد كانت هناك امرأة أسمها (( سمية )) وليس (( أسمية )) ولكنها في اللفظ العامي  تلفظ مع ألألف .. وكانت مقطوعة من ألأهل والأقرباء أو مايعرف في العراق ب" الفصلية", ويكثر زوجها إيذائها فاستجارت بهم فأجاروها وقالوا له أنها بمثابة أختهم , وقد توعدوه إن عاد إلى إيذائها , فلم يـُؤذيها بعد ذلك , فسمتهم الناس إخوة أسمية إكراما ً لهذا الموقف وغلبت عليهم هذه التسمية ..


وإخوة سمية هم أولاد سيد ناصر بن شلال بن محمود بن محمد بن شوكة بن علي  خان بن خفان بن ياسر الكبير بن شوكة بن عبد الله بن أبي عبد الله الحسين بن أبي الحسين علي بن أحمد بن أبي عبد الله المعروف بكنيته بن محمد أبي الهيجاء بن أبي الحسين زيد ألأسود بن الحسين أبن أبي الحسن علي كتيله بن يحيى بن يحيى بن الحسين ذو الدمعة بن الفقيه زيد الشهيد ( ع ) بن ألأمام علي زين العابدين ( ع ) بن ألأمام الحسين ( ع ) بن ألأمام علي أبن أبي طالب( ع ) ...

وأخوة سمية هم أولاد ناصر بن شلال وهو الأخ الأكبر لياسر الثاني الصغير جد السادة آل علي ومنهم آل عبد العزيز يرز منهم السيد نور السيد عزوز والسيد علوان الياسري قادة ثورة العشرين  والسيد مالك السيد دنبوس والأخ الأكبر لجد السادة آل أبو فريحة .

وهم سبعة أخوة :
1- نوح
2- فياض
3- مذخور
4- شليلة
5- صافي
6- خلف
7- محمود

ويمتد موطن الأسرة الأصلي من الناصرية الى الرفاعي والشطرة وسيد دخيل والخضر وسوق الشيوخ والمشخاب والنجف الأشرف والعمارة والبصرة وبعض المحافظات .. ويسكن قسم منهم في بغداد ..

ويمتهن عدد كبير من أبنائها حرفة الزراعة ولهم أراضي شاسعة ,وأمتهنوا التجارة في الناصرية وبغداد .. وقد هاجر قسم منم إلى النجف , وكان أولهم فياض الذي هاجر إلى هناك في مطلع القرن الثالث عشر الهجري , حيث استقل أبنائه هناك بأنفسهم وصاروا يعرفون بال فياض بعكس فرعهم في الرفاعي والذين هم أكثر التصاقا ً بأخوة أسمية من آل فياض في النجف ولا يعرفون بأنهم من إخوة أسمية .

ومن أشهر آل فياض في النجف السيد هادي الفياض الكاتب والشاعر والعالم وعميد كلية الفقه الأسبق ( راجع عن ترجمته معجم رجال الفكر والأدب للاميني ج 2 ص 506 وكذلك شعراء الغري ج 12 ص 389 وكذلك الدليل الرسمي العراقي لعام 1960 ) . وكذلك الدكتور عبد الله فياض 1917 – 1984 الأستاذ والكاتب وعميد كليه التربية في الستينات .

ومن ابرز رجال إخوة أسمية ,الخطيب الكبير السيد كاظم السيد علي ( المتوفى سنه 1950 ) والعلامة السيد عبد الزهراء الحسيني ( توفي في دمشق 1993 حيث دفن هناك ) . وللمزيد عنه راجع مجلة الموسم العدد العشرين 1994 ملف خاص عنه . وكذلك ( الفكر الجديد الصادرة بلندن . العدد التاسع آب 1994 وكذلك الكتب الآتية ( معجم المؤلفين العراقيين لكور كيس عواد ج 2 ص 274 و ( الذريعة ج 21 ص 97 ) و ( المعجم لداخل السيد حسن , الجزاء الأول ) ومعجم رجال الفكر للاميني ج 2 ص 505 – 506 ) ..

ومن رجالات السادة أخوة أسمية السيد حسين السيد يعقوب السيد موسى المتوفي عام 1973 م .. وقد كان عميد الأسرة لسنوات عديدة الى حين وفاته ( رحمه الله ) . ومن رجالهم الثائر الوطني السيد كدر السيد سلمان مفجر ثورة 1935 في سوق الشيوخ ضد البرطانيين والتي حكم فيها بالإعدام وأحد أبطال ثورة العشرين وماسبقها كما ورد في كتاب وثائق من تاريخ المنتفك الوطني للدكتور عبد الله الجواري يراجع " السيد كدر السيد سلمان الياسري الثائر الوطني الذي ظلمته الذاكرة..
ومن رجالاتها البارزين سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشهيد السيد شاكر الياسري ـ 1985/ 1937الخطيب البارز ووكيل المرجعيات الدينية والمجاهد الكبير ومن بعده نجله  حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد الياسري .
وكذلك آية الله السيد راضي الياسري ونجله حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد حسين السيد راضي .
ومن وجهاء السادة أخوة أسمية السيد غانم بن السيد مناحي بن السيد سعيد بن السيد أسماعيل بن السيد نوح بن السيد ناصر وجيه وشاعر ..
ومنهم السيد طاهر السيد ملحم الياسري الخطيب البارز ونجله الكاتب السيد أبو طه الحسيني .
ومن شهدائها كذلك السيد منحر الياسري وعمه الذي قتل في ثورة 35 في سوق الشيوخ .

وعميد الأسرة اليوم السيد محسن السيد نعمة الياسري  . وهو ليس كبير السادة إخوة أسمية فحسب , بل هو ألان كبير السادة جميعا في محافظة ذي قار ومن المفيد أن نذكر هنا سلسلة نسب السادة أخوة أسمية ابتداء من السيد عبد الزهراء الحسيني وكما ورد في مجلة الموسم العدد العشرين ص 220 وكما هو مثبت ابتدءا من جد ه ناصر في كتاب الغياثي البحراني ( انساب الهاشميين ) وكذلك فهو مثبت في عمدة الطالب لابن عنبه المتوفى سنة828 هـ راجع ص 291 – 301 .

فهو السيد عبد الزهراء بن حسين بن جبر بن خفي بن حمود بن نوح بن ناصر بن شلال بن محمود بن محمد بن شوكة بن علي خان بن خفان بن ياسر ( الأول ) بن شوكة بن عبد الله بن أبي الحسن علي ( المعروف بالشويكة ) بن احمد بن أبي عبد الله بن أبي الهيجاء محمد بن أبي الحسين زيد الأسود ابن الحسين بن أبي الحسن علي كتيله بن يحيى الثاني بين يحيى الأول ابن الحسين ذو الدمعة بن زيد الشهيد ( ع ) بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين ( ع ) بن الإمام علي ابن أبي طالب ( عليهم السلام) ..

للعلامة الدكتور الشيخ أحمد الوائلي
ألقيت في الذكرى السنوية الأولى لرحيل العلامة السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب


وعدتنا وأخلف التنويل ***** والليالي كثيرهنّ قليلُ
ما تخلّت عن طبعها ذات يومٍ ***** وهو فيما علمت طبعٌ بخيلُ
إن أنالَتكَ فرحة سلبتها ***** بارق خلب وحال يحولُ
لم تكد تبتسم الأماني حتى ***** أسفت كيف كان منها الجميلُ
فإذا هذه الحياة هشيم ***** أو غثاء تحمّلته السيولُ
لا صروح تبقى ولا الكوخ يبقى ***** ويولي محقّرٌ وجليلُ
كل ما باليدين للمرء تخويل ***** وللردّ ينتهي التخويلُ
نحن نمشي لغايةٍ في سرانا ***** أسريعٌ مسيرنا أم ذميلُ
غاية يدفع الوجود إليها ***** وإليها هذي الحياة سبيلُ
* * *
سألتني عنك الديار أبا موسى ***** وكم أحزن المجيب سؤولُ
أين منّا شمائل يحمل الزاد ***** إلى الردح طبعهن النبيلُ
مَرَّ عامٌ والدّارُ يغرقها حزن ***** وصمت ووحشة وذهولُ
ومصلّى يقظانَ بالذّكرِ صاحٍ ***** حين يغفو نجمٌ وترخى سدولُ
وليالي الرُّهبان شوطٌ عليه ***** يتبارى التسبيح والتهليلُ
أصحيح آوى إلى ظُلمةِ القبر ***** مزاج كما يرن الخميلُ
وكيان عرفته دونما زيف ***** على طيب فطرةٍ مجبولُ
إنّ بعض الورى طعامٌ شهي ***** وبهم من هو الطعام الوبيلُ
لم يزل يشتهيك رهط تمازجت ***** بأرداحهِ ففيم الرحيلُ
أكذا غالكَ الردى فالجبين ***** الصلت بالتراب والديار طلولُ
* * *
ويحَ هذا التراب راحَ بأحبابي ***** فليت التراب غالته غولُ
ذهب السامرون حول الندي ***** الحلو فالصمت بالندي عويلُ
ويموت الندي إن عافه الفضل ***** وعاشت بجانبيه فضولُ
غربة الروح حين يرحل أحباب ***** وينفضّ مجمع مأهولُ
فرفاق الحياة نبع تعب ***** الروح من صفوه ويطفى الغليلُ
وإذا جَفّ النبعُ أمحل روض ***** وسجى صادحٌ وذاب هديلُ
هو قتل موت الأحبّة فالأنفس ***** جدبٌ من بعدهم ومحولُ
وسواء رَحلْتَ أم رحلوا عنك ***** ففي الحالتين أنت القتيلُ
* * *
يا أخا العمر جاد قبرك غيث ***** ورعى رمله النسيم العليلُ
وسواء أأغدقَ الغيثُ أم جفَّ ***** ففيما عند القلوب بديلُ
فلقد نث من عواطف إخوانك ***** وبل على ثراك هطولُ
خلجات بكل حبّة رملٍ ***** نابضات لو الرمال تقولُ
سكبتها عليك حبّاً وقرآناً ***** كريماً ثوابه موصولُ
ومن الحب والعواطف صرحٌ ***** كلّ صرحٍ من دونه لا يطولُ
قد تلاشت كلّ الأكاليل لكن ***** عاش للعلم والتقى أكليلُ
سوف يبقى رمز الوفاء على قبرك ***** غمر من الدموع يسيلُ
هو منّي رسالة فاستلمه ***** ومن الدمع للحبيب رسولُ
إنّ لي مدمعاً على الخطب صلب ***** العودِ لكن لدى الوفاء ذليلُ
وبصدري قلبٌ يحل به الحبّ ***** وما للأحقاد فيه حلولُ
فجميع الدنيا بدون وفاء ***** عفن منتن ومثوى رذيلُ
* * *
يا قبوراً بجنب زينبَ فيها ***** من أحبّائِنا ينامُ رعيلُ
أنتِ فيما ضممت أمٌّ رؤومٌ ***** حملتنا هضابُها والسهولُ
حضنتنا الشآم موتى وأحياء ***** وللأم ما يعود الفصيلُ
وحدةٌ بالتراب في الوطنِ الأكبر ***** ذرّاتهُ إليها تؤولُ
نحن عقد حباته جمعتْها ***** الضّاد والدين والدم المطلولُ
عانق الرمل بعضه في تراثنا ***** أفننأى وتستجيب الرَّمُولُ
قدرٌ خطّهُ دمٌ ومصيرٌ ***** وَبَنَتْه وشائجٌ وأصولُ
فإذا مسَّ بالفراتين ضرٌّ ***** بردى تشتكي له والنيلُ
* * *
إيه بغداد والفراتان وردٌ ***** سائغ والمجنحات النخيلُ
والشواطي للسامرين فراش ***** والصحو كان مشرق وأصيلُ
والرمال السمراء تحتضن التاريخ ***** مجد سطوره والفصولُ
وقباب شم لآل رسول ***** الله فيهنَّ مرقدٌ ومقيلُ
وبأفنائها مدارس آيات ***** لها بالعلوم باعٌ طويلُ
ومحاريب ملأهُنَّ كتاب ***** الله يُتلى والذّكر والترتيلُ
يتناجى بهن رهبان ليل ***** كُلّما غرّدوا به التنزيلُ
لا تخالي إنّا على بُعدِ دارٍ ***** سوف تنسى قلوبنا والعقولُ
إننا والديار خصب وجنّات ***** ورهط يعنى بنا وقبيلُ
أعين ترتجى لأفقك فجراً ***** وتعاني كيف الظلام يزولُ
وإلى أن نعود والوطن المحبوب ***** قد زال عنه عبأ ثقيلُ
سوف نبقى مشاعراً هائمات ***** في مجاليك والوفاء كفيلُ
* * *
ووداعاً إلى لقاء أبا موسى ***** إذا ضمَّنا الغدُ المأمولُ
نتفيّا رحاب ربّ كريم ***** ورحابُ الكريمِ ظِلٌّ ظليلُ
ولدينا مما خدمنا به السبط ***** شفيعٌ فيما نرى مقبولُ
ووثوق برحمةٍ وعدتنا ***** نُزُلاً لا يضيع فيها النزيلُ
أدننا رب الرّحابِ الكريمات ***** إذا أبعد الخليلَ الخليلُ
العلامة
السيدعبدالزهراء
الحسيني الخطيب

أوراق من دفاتر أيامه..

عبدالحسين الحسيني
هناك.. على ضفاف الفرات.. وحيث «الخضر» مدينة ترفل بدفء العلاقات وصفاء القلوب، وحيث الشهامة والمروءة، مسلسل الروايات الذي لا ينقطع، وتزخر بحكاياه «الدواوين».. «الدواوين» التي كانت مرابعاً للسمر، ومدارس ينهل منها المرء ما يشاء من الحكمة والمعرفة والاخلاق والأدب والعلم، ولكل ليلة من ليالي الاسبوع مجلسها أو «ديوانها»، جدول يحفظه الناس عن ظهر قلب، والابواب مفتوحة للجميع، فلا يحتاج احد لاذن فان وفد جديد احتضنته القلوب بالألفة والمودة، بدون تحفظ أو ريبة، وان غاب آخر افتقده الجميع وكأنه قد نأى دهراً، ولكل واحد عاداته وجلسته وحتى مكان جلوسه، والمكان قد ألف الاشياء وكأنها جزء منه، في الشتاء يختلط عبق دخان الموقد بنكهة الشاي والقهوة، وممتدة ساعات المسامرة إلى منتصف الليل، الوجوه ترى طافحة بالبشر، وكأن لا غم في الدنيا ولا هم، وكثيراً ما استغرق الجميع في الضحك، ويستكثر البعض على نفسه فرحة وضحكة، فتسمح من هنا وهناك.. اللهم لا تمقتنا، فان جاء الصيف يهرب الرواد من قيظه اما إلى السطوح أو إلى الشاطىء، يفترشون عباءاتهم، تضيء لياليلهم نجوم زاهية، أو قمر متلألأ ينعكس ضوءه على ماء الفرات، فيضفي على المجلس بهجة على بهجة، هناك في «الخضر» فتحنا عيوننا، وقد كانت تلك الدواوين واحداً من ملامحها، يعد الناس الساعات حتى تغيب الشمس ويطل المساء الحنون على تلك المدينة الوادعة في جنبات الفرات، فيلقون على ابوابها بمشقة الكدح وتهب النهار، وينهلون من النبع الدافق بالمحبة والانسجام.

ومن هذه المجالس تشكلت مع الايام صفوة من الاصدقاء، كانت الصداقة عندهم صداقة دائمة وعلاقة عمر، فلم نسمع ان احداً قد قاطع آخر من هذه الصفوة أو خاصمه وكل منهم يحفظ الود بأسمى اخلاص ويشاطر الآخرين سراءهم وضراءهم، وقد حفظوا الود لبعضهم حينما باعدت بينهم مسافات الاقدار.
***

لقد ابتدأت بتلك المجالس، وبتلك الصفوة لانها كانت دوماً على لسان فقيدنا الراحل، فيتذكرها ويسترجع صداها بحنين لم توهنه السنون، ويحكي لنا الكثير من شريط ذكرياته عن تلك المجالس وتلك الايام التي سبقت مجيئنا إلى الدنيا، واستمرت حتى رحيلنا عن الخضر في منتصف الستينات، ومن ثم تشتت اصدقاء عمره المخلصين في انحاء شتى من العراق، وأي ذكريات جميلة تلك التي تركتها الايام الخيرة في حياته وقلبه وذاكرته بحيث صارت حديث الساعات الاخيرة من عمره، يعبر عن حنينه اليها ويتمناها.. ويرغب في ساعة من ساعاتها، وفي جلسة من مجالسها.
***كانت الخضر مدينة تهنأ بالحب والتواصل، يتشارك الناس كل الناس في الافراح والاتراح، وكم من القيم والخلق الذي الفته تلك المدينة الوادعة التي ليس فيها فندق، فان حل فيها غريب يجد الكثيرين يفتحون ابوابهم، ويكرمون الضيف الوافد حتى وان لم يعرفوه، فهذا ديوان آل علو، وذاك ديوان آل صويحب.. وديوان الحاج منشد.. وديوان السادة آل تاج الدين.. وغيرها.. وغيرها، وكان لسيدنا الراحل ديوانه.. وقد سبقه ديوان عمه الخطيب السيد كاظم الحسيني واخواله آل حيدر، وجده لامه الحاج خيون.

وكان التكافل واحداً من تلك القيم التي عمرت طويلاً في الخضر حيث اعانة المحتاجين وشد ازر الضعفاء، ومد يد المساعدة عند الشدائد، مسؤولية تمتزج فيها البواعث الدينية بالدوافع الإنسانيّة امتزاجاً متكاملاً، ويتحملها كل ذي مقدرة مادية أو معنوية، وكان الاحترام ميزة اخرى، احترام الناس لبعضهم البعض، واحترامهم لعاداتهم وتقاليدهم وشعائرهم، ويتضاعف الاحترام لذوي السن والخبرة، وللسادة والاشراف مكانة خاصة يختلط فيها الاحترام بالتقديس، وكم في الخضر من مقامات تزار لسادة راحلين، يتبرك بها الناس ومن بينها مقام السيد علي والد السيد كاظم الحسيني الخطيب، فاذا كان السيد من اهل العلم صار سيد الناس وراعيهم وموضع احترامهم الذي لا يحد، ومن المفارقات ان تلك المدينة النائية في جنوب العراق، والبعيدة عن العتبات المقدسة بمئات الاميال، والمعزولة بعيداً عن طرق المواصلات، قد ضمت بين جوانحها العديد من رجال الدين وخطباء المنبر الحسيني.

في تلك الاجواء كانت نشأة سيدنا الراحل بعد ان عاد اليها شاباً من دراسته في النجف الاشرف، والتي لازم في شطرها الاكبر، الامام المجاهد الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء طيب الله ثراه اميناً لسره وكاتباً له، وقد ترك الامام الكبير بصماته العميقة في المراحل التالية من حياة سيدنا الراحل، في تفكيره وطريقة عيشه وصفاته وتعامله مع الناس والحياة، وفي الخضر كان وريثاً لمجد مقيم تداخل في حياة اهلها، وذاكرتهم، نهله من عمه السيد كاظم الحسيني الخطيب الذي لازمه حتى مماته، وكان من حب اهالي الخضر لهذا السيد الجليل ان صوره كانت تزين المقاهي والمحلات والبيوت، ومن اخواله من آل حيدر، واضاف إليه من شخصه وطباعه واخلاقه، فصار سيد المدينة وراعيها وموئلها، يهرع إليه ذو الحاجة، ويلوذ به ذو المظلمة، ويطلب عونه الضعيف، فكان لا يبخل بحبه على احد، ولا يخيب رجاء لأحد، ولم يكن يومذاك ممثلاً للمرجعية الدينية رغم انّه كان على صلة وثيقة بها ويحتفظ بوكالات من مختلف المراجع العظام قدس الله سرهم جميعاً، اذ كان يمثلها آنذاك المغفور له الشيخ محسن البزوني الإنسان الذي كان مضرب الامثال في رفيع خلقه، وعظيم طيبته، وخالص مودته، وتشاء ارادة الله ان يسبقه إلى رحاب الله سبحانه وتعالى بأشهر قلائل.
***

كان سيدنا الراحل يجد في الخطابة امانة ومسؤولية اختار ان يتحملها، ولم تشغله المشاغل عنها، وهو القائل: لو خيرت بين الخطابة والمرجعية لما اخترت عن خدمة سيد الشهداء بديلاً، يرتقي اعواد المنبر فتشرئب له الاعناق، وتخفق له القلوب، وتسترسل الكلمات بين شفتينه، يختارها بدقة، عميقة بقدر ما هي واضحة، تنفذ إلى الروح، وتترك اثرها في السامعين، ويزيد من تأثيرها تحكمه بنبرات صوته، وأكثر ما كان يبدع فيه القائه لخطب الامام علي عليه السلام.

ورغم ان له في عاشوراء، ورمضان من كل عام رحلاته ومجالسه في مناطق مختلفة في العراق وخارجه، فانه كان يحرص على مجلسين للعزاء، الاول يقيمه في الناصرية الامام الراحل الشيخ عباس الخويبراوي الناصري قدس الله روحه، والآخر في الرميثة ويقيمه الحاج سلمان آل بوحميد، وكلاهما ترك في نفسه اثراً لم تمحه الايام، الاول بتواضعه وعظيم خلقه وحلمه، والثاني بطيبته وكرمه واهتمامه بقضاء حاجات الناس، وكم تحدث عنهما، وعما وجده فيهما ومنهما، وقد كانت بعض ذكرياته مع الامام الناصري طيب الله ثراه حديث الساعات الاخيرة من حياته. وقد كان حريصاً على ان يكون للخضر نصيباً من خطابته، حيث كان خطيب مجلسها الذي يقام في سوق الخضر ويندر ان يتخلف احد من اهلها عن حضوره.

والخطابة كانت وسيلته للجهاد واعلاء صوت الحق، لا تأخذه في الافصاح عن الموقف الذي يعتقده، وقول الكلمة التي يؤمن بأن من واجبه ان يقولها لومة لائم، وقد نمت مجالسه في اثناء الاضطرابات السياسية العاتية في نهاية الخمسينات وما تلاها، عن شجاعة منقطعة النظير، ما تزال ترد على الالسن كملمح بارز من ملامح سيرته.
***

وفي الخضر بدأ بتنفيذ سفره الخالد «مصادر نهج البلاغة واسانيده»، وعلى قلة المراجع في المدينة، وانشغاله بمسؤولياته الدينية والاجتماعية الجسام، فقد كان لا يفوت فرصة يستطيع منها ان يبحث أو يكتب دون ان يستغلها، وحتى عندما كان يمارس عادته اليومية في «التمش» مع بعض اصدقائه، كان كثيراً ما يشغل وقت الاستراحة في كتابة شيء من كتابه بأن يجعل مرافقه يقرأ له في مرجع من المراجع وهو يكتب، والعكس بالعكس، وقد تحمل صديقا عمره المرحوم الاستاذ محمد امين نصار، والحاج فاخر آل وليد قسطاً كبراً من هذا المضمار، وقد كان مجداً في بحثه، يسهر الليالي فلا ينام الا في وقت متأخر، واحيانا ينسى نفسه في البحث فلا ينتبه الا والمؤذن يرفع آذان الفجر، فيردد كلمته المعهودة في هذا الحال «انا اخوك»، وقد امضى عقداً من الزمن في انجاز هذا الجهد العلمي الكبير ليتم في منتصف الستينات، ومع انّه كان يصغي بانتباه لكل ملاحظة وتعليق، الا انّه في بحثه وتنقيبه، وفي ايناع الثمار الي بذرها وسقاها ورعاها واعطى قطافها للمكتبة العربية، كان منفرداً لم يشاركه في الجهد احد، ولا زاد في نتاجه احد، وان تواضع ـ وتلك كانت شيمته، وعد حتى من قال له احسنت، وبارك الله في جهدك، صاحب فضل في تشجيعه ودفعه.

وقد رافقه جده في البحث والتنقيب في سنوات غربته الاخيرة من عمره الشريف، فقد كان يلازم المكتبة الظاهرية بدمشق منذ الصباح الباكر حتى اغلاقها، ما خلا وقت الصلاة، وحتى غذاءه كان يتناوله في مطعم مجاور للمكتبة، ويدعو إليه في احيان كثيرة احباءه، حتى صار يعرف بـ«المضيف»، وعندما كان يعود إلى البيت، فان شيخوخته لم توهنه عن سهر الليالي، كان يستلقي على ظهره مداراة لآلام الفقرات، فيقرأ ويكتب على تلك الحالة، واسعد الاوقات عنده حينما يجد شيئاً ذا قيمة، فتراه يضع الكتاب جانباً، ويصفق بفرح جذل، وكأنه يقول.. وجدتها.. وجدتها، وبالرغم من الاضافات النوعية التي اضافها للمكتبة العربية، فقد انجز القليل مما يدور في خلده، ويخطط بانجازه، ولولا صروف الدهر ونوائبه، وكدحه الدائم لتدبير معيشته وعائلته، لانجز اكثر مما انجز، ولحقق الكثير مما يتمنى تحقيقه.
***

في الخضر امضى راحلنا الكبير القسط الاكبر من حياته، يعيش وسط اخوة له وابناء ظلت وشائج العلاقة معهم متينة لم ينقطع لودها حبل حتى اضطراره للهجرة إلى خارج العراق وقد تركت الخضر في ذاكرته اثراً جميلاً طالما استعاده بالحنين إلى ايامها ومرابعها، الا انها خلفت في نفسه ذكرى تلك الايام السوداء، ايام الفوضى والبغضاء التي حلت قسراً في تلك المدينة الآليفة التي تعيش شبه عزلة عن العالم، فمثلما ضربت اطنابها في شتى انحاء العراق، ولا شك ان اي عاقل ومنصف يستعيد ذكريات تلك الايام، سيجد ان ذلك الحقد الاسود كان بلا مبرر، فجأة تتشكل الاحقاد جامحة، وتنطلق بدون روية أو تفكير، والادهى من ذلك بدون هدف، وما زال العراق يدفع اليوم تلك الخطايا، لم يكن حقداً طبقياً كما بدى آنذاك فقد تداخلت المواقع والمواقف والانتماءات، واختلط حابلها بنالها، وما كان حقداً من اجل الوطن، وكم تذكر سيدنا الراحل بأسىً كبير كيف فرقت تلك البغضاء الالفة التي عاشت طويلا في ربوع تلك المدينة، وكيف انفتح جرح ظل فاغراً وما زال، وكيف نشأت العداوات بين اقرب الاصدقاء لبعضهم البعض، وتطورت وتعمقت وصارت حاجزاً راسخاً يفصل بين الصديق وصديقه، والقريب وقريبه، وحتى الاخ واخيه، وقد رافقت الكثير حتى مماتهم، بل واورثوهم لابناءهم، وكيف يندفع العامة وراء الشعارات والاضاليل، ولم يكن سيدنا الراحل مستهدفاً لذاته في بداية الاحداث في الربع الاخير من عام 1959م، كانت البداية ان البعض من سقط المتاع، لم يرق له ان تظل الخضر هادئة، وفتش عن رجعي، متآمر، وخائن ومصطلحات تلك الايام ثم وجد ضالته في السادة من آل تاج الدين، وهم من العوائل العلوية التي نزحت من الحلقة إلى الخضر وامتهنت التجارة والزراعة، فاحرقت محلاتهم، واستبيحت دورهم، واعتدي على رجالهم، وانتهكت حرمهم، فما كان من سيدنا الراحل الا ان يتصدى إلى ذلك العدوان الذي لا مبرر له ولا سبب، فكانت وقفة شجاعة، وفر فيها وثلة من صحبه الخلص الاوفياء الحماية للمعتدى عليه، وصار هدفاً، وضمر اهل الاحقاد احقادهم حتى كان شهر رمضان من ذلك العام، وبينما تحتفل المدينة في جامعها الكبير بذكرى ميلاد الامام الحسن(ع)، وإذا باحدهم ليهتف بالصداقة السوفيتية، وآخر يهتف بالسلام العالمي وفق خطة مبيتة، فهاج الناس وماجوا واخرجوا الاثنين من الجامع، وما هي الا برهة وجيزة الا والحجارة تنثال على المحتفلين من كل جانب، وكانت معركة استمرت ساعات، وتهدم فيها جزء كبير من الجدار الشمالي للجامع، وتفاقمت الفوضى في المدينة، وبات الناس لا يأمنون على انفسهم، فمتى انفرد اولئك باحد يناحبهم العداء اشبعوه ضرباً واثخنوه بالجراحات، وجدوا سيدنا الراحل كان يفرض هيبته فلا يجرأ احد على التعرض له، وان صارت داره محطة لتظاهراتهم اليومية، يقفون امام الدار، تتقدمهم صورة «الزعيم الاوحد»، ويهتفون بهتافاتهم المعهودة، ويرعدون ويرددون، ولكنهم من الجبن بحيث لم يقتحموا الدار التي ليس فيها سوى سيدنا الراحل وزوجه وبناته واطفاله، ثم ينصرفون بعد ساعة من التظاهر، ومن المفارقات المضحكة ـ المبكية، ان الخضر التي ليس فيها سوى مدرسة ابتدائية قديمة البناء، وتفتقر إلى ابسط المرافق العامة، كأي مدينة مهملة في جنوب العراق، فلا شوارع معبدة ولا شبكة كهرباء أو مياه، ولا جسر يربط بين ضفتي نهرها، ومقطوعة عن محيطها فليس من طريق يبعد بينها وبين اقرب مدينتين اليها وهما المساواة والناصرية، ومع ذلك فان ازقة الخضر مليئة بصور «ستالين» ويهتف كل يوم متظاهروها بالصداقة السوفيتية.

لقد تركت تلك الاحداث المفجعة اثراً مراً في ذاكرة راحلنا الكبير، فكثيراً ما تذكر تلك الاحداث المأساوية باسف لما آليت إليه احوال الناس، وكيف يندفع كثيرون دونما تدبر أو تفكير، وكيف يغير البعض حتى جلده بين عشية وضحاها، وقد زادته تلك الاحداث حكمة وتبصراً، فكان لا يميل للاندفاع، ويكره التهريج والتطرف، الا انّه لم يعرف الحقد على احد، على العكس من ذلك كان يرثي لاولئك الذين فقدوا صوابهم وتوازنهم عند المنعطف، ويسأل ربه المغفرة والرحمة لكل مسيء.

وبعد ان انزاحت تلك الغمة، وكان قد انجز كتابة «مصادر نهج البلاغة واسانيده» قرر الارتحال إلى كربلاء في منتصف الستينات، ليكون قريباً من النجف حيث طبعت الطبعة الاولى من كتابه، وقد كانت له رحلة يومية بين كربلاء والنجف لذلك الغرض، وبعد انجاز طباعته كان متردداً في العود إلى الخضر، فعزم عل البقاء والسكن في كربلاء المقدسة لولا انتقاله وعائلته بعد عام إلى بلد، وبعد رحيله عن الخضر تفرق الكثيرون من صحبه في نواح شتى من العراق، وكأنهم لم يطيقوا العيش في الخضر من دونه.
***لقد شاء الله ان تكون الوجهة «بلد» فقد طلب، اهلها استضافته في رمضان 1385 هـ(1966م)، وقد كانت بلد آنذاك غارقة في لجة فتنة عشائرية طاحنة، استمرت طيلة خمس عشرة عاماً وعجزت المرجعية الدينية والسلطات معاً على ايقافها، وفقد معها الناس الآمان والاستقرار، واتت الفتة على الزرع والضرع، فقد هجر الناس مزارعهم، وكان يلوذون ببيوتهم مع خيوط الظلام الاولى، يغلقون ابوابها الثقيلة باحكام، فلا يتزاورون ولا يفتحونها لاحد وقد ازداد عدد الضحايا مع الايام، وتراكمت الاحقاد والثارات، وحين استجاب لطلب اهالي بلد، نصحه عدد من معارفه بعدم الذهاب لما سمعوه عن حوادثها، لكنه اصر على الذهاب، فسافر إلى هناك وقد كانت المرة الاولى في السنوات التي تُحيّي فيها بلد ليالي رمضان، وقد استقبلته بترحاب حافل، فكان اول شيء ركز فيه جهده، هو محاولة اصلاح ذات البين، وكسر شوكة الفتنة، وشاء الله عز وجل ان يفتح على يديه، فقبل ان ينتهي شهر رمضان، استطاع بعون الله ان ينجز صلحاً عاماً نسي فيه المتقاتلون احقادهم وثاراتهم وصار شعارهم «نحن اولاد واحد» كناية عن الاخوة والصفاء، وتوج الصلح بمسيرة طافت المدينة يتقدمها هو وشيوخ العشائر وقد تشابكت ايديهم، وصار جذوة الفتنة برداً وسلاماً، وعاد الوئام والآلفة للمدينة، واصبح الناس يتزاورون ويتسامرون، ويتشاطرون في المسرات والاحزان، وتوجه من بلد وفد كبير لزيارة الامام الحكيم اعلى الله مقامه، وقد رجوه بان يقنع راحلنا الكبير بالانتقال إلى بلد والاستقرار فيها، وقد تحققت لاهالي بلد بعد وقت قصير.

وفي بلد لم يكن سيدنا الراحل رجل دين فسحب، بل اصبح جزءاً من حياة الناس ومشاعرهم، اطفالاً وشباباً وكهولاً وشيوخاً، رجالاً ونساءاً، وعلى مختلف مشاربهم ونحلهم، ولا اظن ان مدينة احبت بمجموعها رجلاً واخلصت له كما فعلت بلد فيه، وقد قابلها حباً بحب واخلاصاً باخلاص، كان كل واحد يرى ان له علاقة خاصة بسيدنا الراحل، يقصدونه ليحكم فيما شجر بينهم، ويخرجون من عنده، راضين بحكمه، ويأتونه حتى بمشاكلهم العائلية وادق خصوصياتهم، يسألونه فهيا عوناً أو رأياً أو مشورة، وكان يعامل الصغير بأبوة وحنان، والكبير بأخوة واحترام، وقد زادتهم المعايشة حباً له وتعلقاً به، فان غاب افتقده الناس وترقبوا حضوره، وكان يجلس لحل مشاكل الناس ومتابعة قضاياهم ضحىً وعصراً، فاذا جاء الليل فان له مجلسه المفتوح لكل الناس، فكان منتدىً لهم يتداولون فيه شتى الوان الحديث ويتعمق من خلالها التآف والتآخي بينهم.

وقد وقف مدافعاً عن بلد بكل صلامة وشجاعة حين تعرضت عام 1967م لحملات الجور والاضطهاد والحقد، وكانت له مواقف ستبقى مخلدة في تاريخ المدينة وذاكرتها، حين تصدى لحملة حكومة طاهر يحيى التي استغلت مقتل المرحوم جبر التكريتي في حادث عرضي، وكان معروفاً بصلاحه ونزاهته وخلقه، فارادت السلطات ان تسبي بلد مستغلة مقتله، وتأخذ المدينة كلها بجريرة شخص واحد، وحين وقف في وجه تعسف وزير الاصلاحي آنذاك عبد الكريم فرحان الذي تذكر ولدوافع معروفة ان بلد التي تسقي بساتينها ومزارعها من جدول متفرع من نهر دجلة، مدينة الحكومة بأجور السقي عن ثلاثين عاماً مضت، رغم عدم وجود عقد أو قانون يخول السلطات استيفاء مثل تلك الاجور، فأمر بقطع مياه السقي عن المدينة بعد ان وجد الناس انفسهم عاجزين عن تسديد تلك الاجور حتى لو باعوا مزارعهم وبيوتهم، وحين افشل مخطط الفتنة الطائفية الذي وضعه (سامي باش عالم) رئيس دائرة الاوقاف الذي اصدر قراراً باستيلاء الاوقاف عل جامع بلد الكبير، وعين اماماً من دائرته للجامع في استفزاز صارخ لبلد، ولخلق العداوة بينها وبين محيطها.

وقبل ان يبني له داراً في بلد، بادر سيدنا الراحل إلى تجديد بناء جامع بلد الكبير «جامع الزهراء» في عام 1970، وقد ساهمت المدنية جلها ان لم يكن كلها في بناء ذاك الصرح العامر بالمال والعمل، فكان رمزاً لوحدتها، ولتحديها ايضاً اذ كانت السلطات تجد في اندفاع الناس للتبرع والمساهمة في بنائه ذنباً يستحق الملاحقة والعقاب.

وحينما حلت المحنة التي ما زال العراق يعيش فصولها، كان راحلنا الكبير قد اعد نفسه لتحمل مسؤوليته ومواجهتها، ولم يفت في عضده ترهيب أو ترغيب، فكان يحث الناس على التحدي، ويضرب لهم مثلاً من نفسه، وحينما بدأت السلطات بمضايقة الامام الشهيد السيد الصدر، بدأ يستعرض اراء السيد الصدر وفتاواه في محاضرات اخذ يقيمها بعد صلاة من كل يوم وقبل انصراف المصلين من صلاة الجماعة، ليعلن بذلك مرجعية الامام الشهيد، ويكرس التفاف بلد حول مرجعيته، ومما يذكر لبلد في هذا الصدد ان احداً ممن سار في ركب الطغاة لم يتعرض له يوماً أو يحاول الاساءة إلى مقامه، وكان هذا يردع الوافدين من جلاوزة السلطة عن الاساءة إليه الا ان الاذى والظلم كان يطال اقرب المقربين إليه ثم اخذت دائرة الجور تتسع، الا ان الناس اخذوا يزدادون التفافاً حوله وتحدياً للطغاة، فيزداد رواد مجالسه وتتضاعف صلاة الجماعة، ويستقطب الناس حديثه عن سير المجاهدين وعبر التاريخ ودروسه، وجهر رأيه عن مفاسد الوضع ومثاليه، وقد فطن مع الايام إلى ان السلطات الغاشمة تنتقم منه لا بالتعرض له، وانما بالحاق الاذى بمن حوله وخاصة الشباب منهم، فكانت تجد في مجالسته وحضور مجالسه أو زيارته تهمة تستحق اقسى عقاب، ثم كان ان تفتقت اساليبهم الرخيصة عن حيلة خبيثة فقولوه في صحفهم ما لم يقله، وما يأباه له الله ورسوله والمؤمنون ونفسه الابية، لكن الله فضحهم فجاءت الكلمات ركيكة مبتذلة لا تنم عن اسلوبه وهو المعروف ببلاغته وفصاحته، فأراد ان يفوت عليهم ان يأخذوا الناس به، أو ان يخدعوهم بما قولوه، فاختار الهجرة بعيداً عن الوطن وفي رحلة شاقة طويلة من الالم والعذاب مخلفاً وراءه عائلته.
***

وفي ديار الغربة، اختط طريقه الخاص به في جهاده، وكرس له السنوات التالية من عمره الشريف، الا وهو رعاية العراقيين ومواساتهم والتخفيف عنهم في محنتهم، وقبل هذا كان يضع من نفسه المثل في الجلد والتحمل، وهو الشيخ الذي تجاوز الستين من عمره، فيشد من عزائمهم، ويشحذ هممهم، وبعد ذاك يشاطر الاخرين في ما يستطيع ان يشاطرهم به، ويتفقدهم ويصلحهم، ويسأل عن حاجاتهم ومشاكلهم، ولا يدخر جهداً أو وسعاً من اجل حلها، كان الهم العام همه، لكنه لم يكتف بذاك، فصار يبحث عن مفرادته وتفاصيله، ويحاول ان يقاسم كل ذي هم أو مشكلة حتى وان لم يعرفه من قبل همه أو مشكلته، ما صغر منها وما كبر، وكان يشاركهم بوجدانّه وكم ارق وعلى تقاسيمه الحزن لان احداً يعرفه يعاني من فاقه، واخر يكابد من مرض، واخر مشغول بمحنة اهله في الوطن، لقد كان يردد دوماً كم اتمنى لو ان لي الف عين والف رجل والف يد إلى اخر ما يتمنى ان يمتلكه حتى اقدم للبصير عينيه وللاعرج رجلاً، لقد كان يؤثر الاخرين على نفسه، وترى وجهه يطفح بالبشر حين يستطيع حل مشكلة احد أو تقديم العون لاخر، وللشباب كان يوجه اهتماماً خاصاً، يشعر بمعاناتهم بكل ابعادها، وكم من شاب وشاب يعامله معاملة الاب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى حتى لا يجد فرقاً بينه وبين احد ابنائه.

لقد كان يدرك ان المرحلة تتطلب التعاون والمحبة والتواصل ونبذ الضغائن لهذا فان اقسى ما كان يمكن ان يقع على مسمعه هو ان اثنين قد تخاصما أو تقاطعا اما عنه فانه لم يكتف بان لا يعرف قلبه حقداً أو ضغينة، أو ان يأخذ الاساءة بحسن نية، ويلتمس شتى الاعذار للمسيء، بل انّه كان لا يطيق ان يكون في نفس احد شيء منه، ويبذل كل ما يستطيع من اجل ان لا يترك في ذهن احد تصوراً خاطئاً أو سوء فهم أو شعوراً بتقصير تجاه احد، لقد كان يردد كل يوم اللهم اني قد أبرأت ذمة كل من اساء لي أو اقصر بحقي أو اغتابني فلا تؤاخذ احداً بالاساءة لي حتى هذه الساعة، وكان يلتفت لمن حوله ضاحكاً ويقول احذروا فقد لا اطلب هذا الذي طلبته من ربي غداً، لكنه ما انفك عن ترديد دعائه ذاك حتى في ساعاته الاخيرة.
***

اما بين اهله ووسط عائلته، فقد كان يتمثل قول الرسول الكريم(ص) «خيركم خيركم لاهله»، لا يكتفي بما يمتلك من عطف ورقة وحنان، بل كان يجهد ان لا يكلف احداً من عائلته بقضاء حاجة من حاجاته مهما كانت بسطة، فان اضطر بالغ في حمده وثنائه، حتى كأن احداً من عائلته قد قدم معروفاً كبيراً، وكم من مرة ومرة يغافلنا فيها فنجده قد غسل ملابسه بيده، أو يغسل الصحون ويرتب البيت، أو يذهب إلى السوق ويجلب للبيت حاجاته، وحين نعاقبه كان يتعلل بأن ما يقوم به رياضة أو تسلية.

كان لايعرف الغضب أو الزجر، ويحاذر ان يترك في قلب احد من عائلته ما يزعجه أو يؤذيه، فان اغضبه شيء كان يكظم غيظه، ويلجأ إلى النكتة والمثل في قول ما يريد قوله.

ورغم ما وهبه الله سبحانه من قلب عامر بالمحبة والرقة فانه لم يدع لعاطفة الابوة ان تأخذه بعيداً عن انسجامه مع نفسه، ومع قناعاته ومسؤولياته، فقد ادركنا مبكراً انّه انسان يعش من اجل دينه لا عليه، ويكرس حياته للآخرين، ويوازن بدقة بين مسؤولياته العامة والخاصة، فلم نعرف له الا شخصية واحدة في كل دقائق حياته، امام عائلته وامام الناس، في بيته وخارجه، لا يتكلف بشيء، والتواضع والزهد ميزتاه، كان متواضعاً إلى الحد الذي يجعل المقابل لا يرى حداً بين سيدنا الراحل وبينه في السن أو العلم أو المنزلة، وكان ذلك يدخله في القلب ويزيده هيبة واكباراً، وكان زاهداً في حياته التي لا يجد فيها الا رحلة ثانية طالت ام قصرت لهذا لم تغره، ولم يبحث عن مغانمها.
***

لقد رحل القلب الكبير الذي اتسع لكل الناس، بعد مسيرة ملئت سنواتها الاخيرة بالعذاب، عذاب كان يداري اوجاعه حتى عن اقرب الناس إليه،
العراق الذي احب وما آلت إليه احواله.
الناس الذين عاش معهم ولهم وما يلاقونه من اهوال.
صحبه الذين كانت تترى إليه اخبارهم بين مشرد وشهيد ومغيب، بلد..
المدينة التي احبته وأحبها وحرمانه منها واستباحتها وسبيها.
داره التي صودرت ونهبت، واغلى ما فيها كتبه وما تحويه من مخطوطات وكتب قيمة وتعليقات.
عائلته التي ظلت مشردة يطاردها الرعب من بيت إلى بيت، ومن مدينة إلى مدينة حتى اندلاع الانتفاضة المباركة.
ابنه «جعفر» المغيب في سجون الطغاة لسنوات طويلة.
صهره «نعمة السيد علي الحسيني» الذي استشهد تحت التعذيب.

وهموم الناس التي حملها، لقد كان قلباً كبيراً يتسع لكل الناس، وكل هذه كانت تأخذ من روحه وقلبه، وتترك آثارها في صحته، ويتحمل العناء بصمت، ويخفي اوجاعه وآلامه، حتى اختاره الله سبحانه إلى جواره ورجعت النفس المطمئنة إلى بارئها راضية مرضية.
لقد كان الموت بالنسبة له مجرد لحظة من لجظة كان واثقاً بانها قد ازفت فرغم تأكيد اطبائه على تحسن صحته واستقرارها، كانوا يؤكدون على انّه لم يعد هناك من مبرر لبقائه في المستشفى، وكان يقسم على انّه سيكون يوم وفاته، وكانت لحظة لم يكن ما قبلها ينبىء بها، رغم اننا كنا نسأله ان كان يعاني من الم أو يشعر بشيء، سوى انّه ادى الشهادتين، وتمتم بكلمات لم نستطع ان نميزها، واسلم روحه إلى بارئها، ومضى القلب الكبير يشكو إلى ربه ظلم الطغاة، وكانت وفاته بعيداً عن ارضه ووطنه الذي احب وهو ابن السبعين بعد ان قض سنواته الاربعة عشر الاخيرة من منفى إلى آخر، وصمة عار على جبين الطغاة، لقد كان يردد ومنذ استشهاد السيد الصدر: من مات على فراشه لهول هذه المحنة مات شهيداً، وقد كان شهيد الغربة ورحلة الالام الطويلة.

وان بكاء العراقيين في مختلف منافيهم الواسعة، فقد بكوا انسانيته وعطاءه ومحبته، كان للكبير اخاً وللصغير اباً، اخلص لله، واطاع الله في اخيه الإنسان، فكرمه البارىء عز وجل بأجمل مايكون التكريم، فجعل من وفاته عبرة ستبقى في ذاكرة وقلوب من عرفه لسنوات طويلة.


المجد الصريع (شعر)

في رثاء العلاّمة السيد عبد الزهراء
الحُسيني الخطيب


جودت القزويني


دعني أودعُ نعشاً بالدم القاني***لعلّ طيفك رغم الموت يلقاني

يا راحلاً، ومدارُ القلب مسكنهُ***هوّنْ خطاك فقد هيجّت أحزاني

رحلت كالنجمة الوسناء عن أفق***لكنها أدرجت في بيض أكفانِ

فما هوى منك جسمٌ بات مُنعفراً***اإلاّ هو قبلهُ بالحُزن جُثماني

وما دُفنت بأرجاء مُقدسة***إلاّ دفنتُ نشيجي وسط نيراني

يا آية المجد، أين المجد أطلُبهُ***فأنت والمجدُ في الجُلّى صريعانِ

طودٌ من الفضل خفّاقٌ بنائله***وقد هوى بالثرى في طيّ كتمانِ

يا أنت، يا ايها الروحّ الذي عبقت***أنداؤهُ، وانتشى من طيب ألوانِ

سامرتُ أمسك أستدعي خواطرهُ***مُرمماً فيه ما قد هدّ بنياني

فأستعيدُ حكايا منك دافئةً***تُعيدُنا كندامى بين ندمانِ

فما وجدتُك يا سرّ الخلود سوى***آيٍّ يمرُّ على عقلي ووجداني

يا أيها النبع، يا ماء (الفُرات) ويا***هدير (دجلةَ) يمضي بين شطآنِ

يا نفحة (الطلع)، يا أفياء ساقية***يا نعمة الوجد في أسماع رُهبانِ

يا بسمةً في شفاه الحائرين، ويا***قطر الندى عبقاً في وجه (نيسانِ)

متى سألقاك جُفّتُ كُلُّ أوردتي***ظمأى اليك، وضاعت كل أوطاني

أبقيتني أتلظى بالشكاة، فهل***يُطفي سعير الأسى والشوق طوفاني

حتى كأنّ سمائي اصبحت لهباً***من فرط ما انقدحت بالنار أجفاني

فما انا غير روح فيك ذائبة***وإن تمثل في الأجساد شخصانِ

جلّ المصابُ فسهم الموت عن عمد***أرداك، لكنّهُ بالقصد أرداني

فلو أتاني (المُعزّي) ظنني جلداً***لم يدر أن بنفسي كان عزّاني

يا أيها (الجمع)، أين (الشام) اذكرها***وأين منها اختفى انسانها الحاني

إن تحملوه على أعواد فلقد***رفعتُمُ العدل محمولاً بميزانِ

وإن دفنتم بطيّ التُرب هيكلهُ***فقد دفنتُمّ بها أجزاء (قُرآنِ)

حُزني على المجد أدناني اليك، وما***عن هالة المجد إلاّ الدهر أقصاني

فإنْ نظرت تجد نفساً مولهةً***تهفو اليك، وجسماً ذاوياً فانِ

روحي على نسمات (الشام) حائمةٌ***تبكي ضريحك ما مرّ الجديدانِ

إن أنسى لم أنس اياماً بها حفلت***تلوح فيها سنىً، يا بدرها الثاني

كُنت الضماد لأوجاع بنا عظُمتْ***وقد تُطيبُ جُرح القلب كفّانِ

كما مشى القمرُ الزاهي مشيت بنا***ونحنُ نُطحنُ في أنياب (ذؤبانِ)

العزمُ منك سيوفٌ جدُّ محكمة***والنبل منك تراءى آيّ تبيانِ

فما وهنت ـ وأكمام الورود غدت***غرثى ـ لتسقيها في كفّ عجلانِ

حتى إذا أنكسرتْ (أقلامُنا)، وغدت***(ابياتُنا) دون تقطيع وأوزانِ

أتيت تحملُ نزف القلب (محبرةً)***وصغت من نسج ذات ألف (ديوانِ)

حتى وعينا بأن الارض مملكةٌ***للعدل، ليس بها (مستهترٌ) جانِ

لولاك ما رفّت الأنسام في شفة***ولا تغنى بها قيثار فنّانِ

إصفح بذاتك إن كان (التُراب) مدىً***لمعشر، ومداك الفذُّ (روحاني)

فيا هوى الروح هامتْ كُلُّ أخيلتي***تشكو اليك تباريحي وسلوانيِ

ما أنت إلاّ صدى الأيام أسمعهُ***يُعيدُ وجهك شمساً فوقً أزماني

حتى إذا فارق (السبعين) مُزدَهَر***من السنين مليئات بأشجانِ

مشيت للموت جُرحاً نازفاً، وعلى***يديه أغفى من الأعيان جفنانِ

في ذمّة الله ايامٌ وأنديةٌ***من فيض علمك كانتْ خير عنوانِ

ما طاوعتني القوافي أنْ أوبنها***حتى لو انفجرت في ألف بُركانِ

من للحقائق يستجلي بواطنها***وللفصاحة يعدو كُلّ ميدانِ

إذا رحلت ففي كُلّ القلوب هوىً***يشدو بذكرك من آن إلى آنِ

نمْ في ثراك غريب الوجه، مُنفرداً***فالروحُ روحك في روح وريحانِ


تجديد عهد


الفقيدان
في رثاء العلاّمة السيد عبد الزهراء
الحُسيني الخطيب


للشاعر: الدكتور السيد مصطفى جمال الدين






كيف تَنسى دموعَها الآماقُ
والفقيدان نُبلُهُ والعراقُ


والثّكالى نحن الأُلى غاضَ منّا
رافداهُ: الفُرات والأخلاقُ


واغتربنا فلم نَجدْ من مَنافِينا بَديلاً
يَلَّذُ فيه المَذاقُ


وشبِعنا من الضَياع وجِعْنا
من فُتاتٍ لنا عليه استباقُ


وكراماتُنا نَكادُ نُزكِّيها
اختلاساً كأنَّنا سُرّاقُ


وحَصَدنا زَرعَ الوعودِ وذرَّينا
فلم يَبقَ منه إلا النِفاقُ


وَطنُ الناسِ تُربةٌ نَبتُها العِزُّ
وقلبٌ بحبِّهم خَفَّاقُ


ضاعَ منّا القلبُ الكبيرُ وأمسى
ذِكرياتٍ ذاكَ الثرى العبَّاقُ


***


أيها الثاكلونَ حُبَّ أبي موسى
تَعالَوْا فكلُّنا عُشاقُ


،ههنا الحزنُ: واحةٌ تُنبتُ الوَجْدَ
وكأسٌ من الهمومِ دِهاقُ


وخَريفٌ أزهارُهُ المُقَلُ الحَمْرُ
وسَلسالُهُ الدموعُ الرِقاقُ


ولَفِيفُ الأغصانِ أذرُعُ مَنْ حفُّوا
بنَعش الربيعِ والأعناقُ


مِن صِحابٍ كأنّهم خَاشعُ السّروِ
ذَوَتْ من شُحوبهِ الأوراقُ


وعُفاةٍ جاؤوا لِقطفِ العِطرِ
فقصَّت جُذورَها الأعراقُ


وبكاهُ الفراتُ حزناً وجَزَّتْ
شعرها حولَه النخيلُ العِتاقُ


***


يا أبا المكرُماتِ بِيضاً كأنَّ الصِدقَ
في ليلِ وَعْدِها إشراقُ


وأخا الجِدْ في نُكاتِك تكسوها ثِيابَ
المِزاحِ وهي دِقاقُ


وصديقَ المحرابِ طالَ وُقوفُ الليلِ فيهِ
فطالَ منكَ اشتياقُ


وخدينَ اليراعِ يُبطئُ في صَوْغِ الدراري
لكنَّه السبَّاقُ


لكَ في كلِّ مُقلةٍ دمعةٌ حَرّى
وفي كل سامرٍ إطراقُ


كنتَ نَبْضَ القُلوبِ شتى فلم يَحجزْكَ
حِزبٌ ولا ادَّعتكَ رفاقُ


شائعَ النُبْلِ لم يُصنِّفْ قريباً أو بعيداً
نميرُكَ الدفَّاقُ


مُصحَفٌ تَهتدي به الناسُ في المسجدِ
ما حَازَ نورهُ وَرَّاقُ


ومَقِيلٌ زاهٍ بقارعةِ الدربِ
تَفيَّا ظِلاله الطُرَّاقُ


أختُكَ الشمسُ دِفءُ كلِّ الثرى
يَخضَرُّ حَقلٌ بها ويورِقُ ساقُ


وأخوكَ البدرُ المنيرُ، له في كلِ دربٍ
على السُّراةِ إئتلاقُ


***


يا مُقِيلَ الكرامِ من عَثَراتِ الدَربِ
طالَ السُّرى عليهم فضاقوا


ومُعيدَ الرُواءِ في يَبَسِ الحقلِ
تَعاصَى بنَبته الإيِراقُ


ومُصِدَّ السهام عن جَبهة الحقِّ
وقد راشها الهوى والشِقاقُ


مُنذُ ألفٍ والحقدُ يَرمي (الشريفينِ)
جُزافاً فتَطرَبُ الأبواقُ


وهَديرُ (الإمامِ) شِقشقةٌ قَرَّتْ
وما قرَّ غَيُّهم أو أفاقوا


أغريبٌ على البلاغةِ أنْ يرقى
ذُراها المُجنَّح الخَلاّقُ؟


أم بعيدٌ عن الفصاحة بيتٌ
لفصيحِ القرآن منهُ انطلاقُ؟


وتقحَّمتْ لُجَّة البحرِ تُلقي
بينَ كفيكَ دُرَّها الأعماقُ


ومجاديفُكَ اليَراعُ و(كشََّافُكَ)
في اليَمِّ ذِهنُكَ البرَّاقُ


فجلوتَ الأوهاك راجتْ زماناً
ثم أكدتْ ببيعِها الأسواقُ


قد تطوَّعتِ للدفاعِ بما تَعجزُ
عنه الكتيبةُ الحُذَّاقُ


مفرداً صُلْتَ والأراجيفُ آلافٌ
وبَدراً قَفلْتَ وهيَ مَحاقُ


***


لم يَمُتْ ياعراقُ قلبُ أبي موسى
وإنْ لم تَطُفْ به الأحداقُ


قلبُهُ كُتْبُهُ التي جَسَّدتْهُ
فَيْضَ نورٍ ضَاءتْ به الآفاقُ


ومَضَخُّ الدماءِ ما تَنبضُ الحكمةُ فيه
وتنطِقُ الأعلاقُ


وشَرايينُهُ السُطور وخَفقُ الحبِّ فيه
ما تَخفِقُ الأوراقُ


لم يمتْ ياعراق، بل مات جيلٌ
أنتَ في قلبه الدمُ المهُراقُ


نَسِيَتْكَ القُلوبُ داراً وحَنَّتْ
لمنافي (الفِرَنْجِ) تلكَ النياقُ


دارُنا في (السُويد) والزرعُ في (الدانوب)
و(الشَيخُ) عندنا إسحاقُ


!! ولنا (القُبَّعاتُ) زَيَّاً عروبيّاً
وخَلِّ (العِقالَ) فهو رِباقُ!


***


أيّها المُدلِجونَ في ظُلَمِ المنفى
وزادُ المسيرةِ الإرهاقُ


القريبون والوِفاقُ بَعيدٌ
والطَليقونَ والخِلاف وِثاقُ


والمُطِيقونَ كلَّ ضَائقةِ الغُربةِ
لكنَّ ذُلَّهُم لا يُطاقُ


أَحَسِبتُمْ أنَّ الحياةَ التي تَحيَوْنَ
خيرٌ من الدماءِ تُراقُ


ليسَ أَمْناً أنَّا ننامُ،
ولا يألَفُ أجفانَ أهلِنا إطباقُ


زادُنا الذُلُّ في المتيه وتنصبُّ لهم
في القَذائف الأرزاقُ


أفنرعى في الجنَّةِ الشَوْكَ إذْ هُمْ
حَطَبٌ في جحيمهم واحتراقُ


أيها المدلِجونَ في ظُلَمِ المنفى
قِفوا.. فالطريقُ وَعْرٌ مُعَاقُ


إرجعوا.. أو توحَّدوا.. فالذي أنتُمْ عليه
مُرُّ الشرابِ زُعاقُ


***


قد نَجوتُمْ .. والأهلُ صَرعى،
وبُعثِرتُمْ، وق دشَدَّهم لحتفٍ نِطاقُ


وقصارى ما تأملون تصاريحُ
سِمانٌ تَلوكُها الأشداقُ


وحِوارٌ مضى وآخرُ يأتي
واجتماعٌ عليهما وافتراقُ!


ثم لا شيءَ غيرَ أنَّا قطيعٌ
باعَهُ الآخرونَ بَخْساً وساقوا


وسلاماً على العراق وأهلاً
!!بالمنافي إنْ ضاقَ فينا العراقُ

الهوى والحبيب
للشاعر: السيد حسين الشامي



وداعاً وينزف جرحٌ غريب *** وتبكي العيون وتهفو القلوبُ
أسافرت أم خطفتك السماء *** لتُسفر بين يديك الغيوبُ
أحقاً رحلت بدرب الخلود *** وخلف خُطانا تضيع الدروبُ
وتخبو النجومُ.. ولكنها *** على رمضة من رؤاك تؤوبُ
وأن غبت عن أعين المتعبين *** فذكراك.. خالدةٌ لا تغيبُ

***

أيا أخضر القلب كنت الربيع *** إذا كفّن الروض جدبٌ كئيبُ
وكنت زماناً تشظت مُناه *** فراح على مقلتيك يذوبُ
وما اتعبتك السنون الطوال *** فهذا مداها البعيد قريبُ
وما غادرتك الرؤى الضاحكات *** وما لامست شفتيك الذنوبُ
ومن عجب ان في مقلتيك *** تزاحم طيفُ الندى واللهيبُ
فمن بسمة لونتها الدموع *** ومن ضحكة ذاب فيها النحيبُ
ومن شيبة خُضبت بالعذاب *** ومن جسد ملّ منه الصليبُ
وفي مثل طهرك يحلو الشباب *** وفي مثل وجهك يحلو المشيبُ
وانت حملت وسام الحسين *** فمن نفحه في حناياك طيبُ
ومن ينهل الحُب من كربلاء *** ولم يتعذبْ.. محبٌ مُريبُ
عشقت الحسين فكنت صداه *** أيطويك صمتٌ وانت الخطيبُ
وليس عجيباً غيابُ الشموس *** ولكن.. غيابُ الرجال عجيبُ
سلام عليك اختصرت الرحيل *** فسيان قبر.. وكونٌ رحيبُ
وسيان اكفانك الطاهرات *** جيوباً.. وثوبُ الحسين الخضيبُ
ألست ابنه وعلى منبر *** عن السيف إما غضبت ينوبُ
سلام عليك ختمت الكرام *** ليغفو علينا زمانٌ معيبُ
نُلملمُ ادمعنا الباردات *** ويُسلمنا للضياع الهروبُ
فقدناك حسبُ... اناشيدنا *** بأنك فيها الهوى والحبيبُ
***
بقايا العراق

للشاعر: مدين الموسوي



حدثتني وبعضها تكذيبُ
الأماني بأن يعود الغريبُ

وتداوى جراحه وتعافى
كل أدوائه وتعفى الندوبُ

والطيوف المجنحات الحيارى
سوف تأوى لعشها وتؤوبُ

والظلال التي توحّمن فيه
عاريات، وهنّ خمر وكوبُ

سيوارى بها الضياع فتصفو
كل أكداره ويُنى اللغوبُ

وستفتض للغريب دروبُ
نحو أوطانه ويُلقى حبيبُ

والفراشات والحقول ستصغي
لصداه وتستفيق السهوبُ

يا غريباً به تضيق المسافات
وتدنو على مداها القطوبُ

حُطّ أنى تشاء فهو ضياع
في ضياع كما تريد الغيوبُ

كل أرض تحط فيها رحالاً
هي بيت مدنّس مسلوبُ

والأماني المشرّدات فلول
مزقتها أظافر ونيوبُ

حدثتني وملء سمعي صوت
لضمير أماته التأنيبُ

ان ماء المنجمين سرابُ
وسرابُ المنجمين كذوبُ

الهوى المرّ يصطفينا غراماً
أبديّاً تذابُ فيه القلوبُ

تتخطى زماننا لزمان
همجي به الهوى مقلوبُ

نحن والأمس والخطى متعبات
تتوارى فينا ومنا الدروبُ

ما خطونا إلا لينبت زهر
تحت أقدامنا وينشر طيبُ

أو شرقنا بدمعنا أو روانا
في أكف الندى وريد خضيبُ

لنروّي به الزمان ونسقى
وجهه بالرؤى التي لا تخيبُ

نحن وجه تقاسمته الشظايا
بعدما أسفر المخاض العصيبُ

فهوانا على الفرات دماء
ودمانا على الحقول شحوبُ

والصقور المهيضة الجنح ملّت
نوم أوركارها وهب سروبُ

فهي الأرض امنا حيث شئنا
يتفرّى دم لنا أو صليبُ

ولنا الأرض مسجداً وطهورا
جعلت فهي إرثنا المغصوبُ

فإذا هزّنا الزمان وأردى
من يدينا يداً وألوت خطوبُ

تلد الأرض أعظماً ورفاتاً
من ثرى أمسنا ويحيا كثيبُ

فالمساءات وحينا ورؤانا
والجراحات خمرنا والطيبُ

يا بقايا العراق أبكي عراقاً
فيك وهو المقطّع المسلوبُ

لو دموع الرثاء تمنع بدراً
عن مغيب فلا يكون المغيبُ

لسكبنا له العيون دموعاً
وله عانق الشروق غروبُ

وشققنا له الجيوب حداداً
وعلى مثله تشق الجيوبُ

يا رهين الأسى يعالج همّاً
فيك عزم سما وصدر رحيبُ

غربة أنت والحياة جحيم
حين يطغى ليهيبُها المشبوبُ

يا أبا كل جذوة وسراج
كيف تشكو اللظى وأنت لهيبُ

أسرج الحرف من جديد فهذا
التيه داج وأفقه محجوبُ

تهتدي أمة وتوقظ أخرى
من سبات يلفّها ويريبُ

فعلى "النهج" لا تزال عيون
كنت عوّدتها السرى وقلوبُ

تتملّى أناملاً وأكفّاً
كيف تعزي بها الأسى وتذيبُ

قد ورثت العراق وجهاً ولوناً
وهو سيف نضا وخد تريبُ

يا بقايا العراق أبكي عراقاً
من صداه بكل قلب وجيبُ

سفرنا أنت والحروف رماد
والنبوءات جحفل مرعوبُ

نتهجاك والزمان ارتجال
أنكر الحرف سفره المكتوبُ

وإذا أنكرت خطاك البيض أرض
فجفنها معصوبُ

أنت كل الذي قرأنا وقلنا
وحكينا لبعضنا والحبيبُ

أنت وعد من العراق سخي
وفرات عذب وظل خصيبُ

حوّمت حولك القلوبُ وطافت
نازفات وأنت فيها الطبيبُ

تتشهّاك من جديد لتطفي
حرقة شاقها اللقاء العذيبُ

يالمغناك لم ينله بعيد
ولمعناك لم يصله قريبُ

مثلما أنت يالأنت عزيز
أحكمت حوله وفلّت خطوبُ

ومضى واثق الخطى يتهادى
فوق هام الأسى كنجم يغيبُ

ناثراً خلفه السنى بحروف
يغمر الأفق نورها المسكوبُ

وصدى صوته، فان قيل دوّى
في السماكين، قيل ذاك الخطيبُ

نحن مهما دجى واطبق ليل
وتداعت على رؤانا الكروبُ

وتنادت غياهبُ الشر حتى
اطبقت حولنا مُدى وكعوبُ

فلنا أمسنا المجلّل بالجرح
سراج على اللظى منصوبُ

نحن في ظلنا بقايا سكون
وستنهي بنا السكون الهبوبُ

وستمحى ذنوبُ صبمت قديم
وستجزى لكل كف ذنوبُ

والعراق الذي تململ غيظاً
تحت أغلاله غداً سيثوبُ

والشمال الندي يطفي جنوباً
حين يسقي وجه الشمال الجنوبُ

وسيلوي على المعاقل أيد
نصبتها، بنا الصباح القريبُ

ان صمت الشعوب يحمل غيماً
دموياً وفيه رعد غضوبُ

جرحنا الجرح أن تدفق يوماً
يتجلى به الزمان الرهيبُ

هكذا توقف الشعوبُ نشيداً
من أساها، يشح فيه النضوبُ

والعراق الأبي أطول عمراً
من لقيط تقاذفته الدروبُ

وإذا ضيمت الشعوبُ ليوم
فمدى الدهر لن تضام الشعوبُ

__________________




قالوا .....
في السيد عبد الزهراء الحسيني الياسري


• فقيدنا السيد عبد الزهراء الخطيب رضوان الله عليه , عرفته قبل ما يقارب الثلاثين سنة .. وعشت معه مدة طويلة واكتشفت فيه الانسان الذي يعيش اسلامه بوعي وانفتاح ومسؤلية , والانسان الذي يعيش شيعيته بوعي وعمق وتدبر وتحقيق وتدقيق ينطبق الى عمق الفكر , فيما هو التشيع الفكر ,ليربط به وينطلق منه... ايها الاحبة : عندما نذكر فقيدنا فأننا نذكر هذا الافق الواسع ,واذا كنا نعيش حزننا الكبير لما فقدناه .. فأن علينا أن نفكر لابفقد الانسان عندما نفقده ,ولنكن نحن الذين يكملون الطريق ..

آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

• لقد اخذ القبر ابا موسى اخذه جسدا ولم يأخذه من مشاعرنا , ولقد عاش بمشاعرنا بما حمل من ملكات كريمه لا ينالها الموت .. وقد ذاب في مشاعر القاعدة , فستوجب حبها وتكريمها , وحاز ثنائها , ولبى مطالبها في حاجاتها الشرعية وأعرافها الاجتماعية . وليس من السهل .. إن يحظى الإنسان بمحصلة من القبول كما حصلت عليه .. فنم ابا موسى مطمأنا في كنف ال محمد .. ولك في مشاعرنا مثوى لايفرغ يوما من الايام .

الشيخ احمد الوائلي

• في الأفق المقهور ينبلج الصبح العراقي الاصيل ملفعا بالاحزان , مضرجا بالاسى لقد غيب الردى علم من اعلام مدرسة اهل البيت وسيف مصلتا بوجه الانحراف وكتابا قيما يروي للامم حكاية المعرفة , ولساننا ما سكت عن مقارعة الباطل حتى في احلك الظروف .. ذلك هو الخطيب والعالم والمحقق والكاتب والاديب السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب .

الدكتور محمد بحر العلوم

• رأيت واقعيتك نمطا اخر يختلف عن غيرك فلم تكابر كما كابر غيرك بما حاز من الدنيا من ماديات واعتبارات وعناوين , ولم ترابط لها كما رابط غيرك ولم يكن اقوى عليها منك , وانما حين جائتك الدنيا وصارت بين يديك لم تغتر بها فتجعلك منجرفا في تياراتها, ومتنكرا لواقعك وقضيتك الاساسية التي ضاعت وصارت حصص ... لم تغتر بالدنيا حين جاءتك وانما صيرتها وسيلة للخير فأعطيت الكثير لابناء بلدك ولأخوانك المؤمنيين ولم تأخذ منها لا كغيرك , ان لم يكن ما اخذت بمقدار الضروري لك ولم تؤثر على مضاهرك فضلا عن ان تاخذ من معانيك واخلاقك وروحيتك ..

آية الله السيد علي ال مكي العاملي

• أيها الآية المعلم من معالم الهداية , والعلم في عصر... ويا ضرورة الأمة هديا ورشدا , وايمانا وجهادا .. حسبكم سيدنا ان رحتم مهاجرين , لافرار من قهر , بل إنقاذا لأهلنا من ويل .. وهداية لهم من جهالة او ضلالة .. واخذا بأيديهم الى الصلاح والاصلاح .... ما اعظمنا لو كانت كلمتنا صوت آذانكم ونبرةحجتكم , وحرفا منتعاليم رسالتكم وجملة من كتاب خطتكم في الناس.

السيد رباب الصدر

• كانت لا تهمك الدنيا بشيء .. يدك بيضاء وذمتك ايظا .. لقد كنت انت انت .. لا تتزحزح عن طريق ذات الشوكة .. الذي اخترته انت .. وبقيت هكذا الى ان رحلت عنا وخلفت لنا ذهولنا وحزننا عليك .. وحبنا لك فرحمك الله ايها النسب الطاهر والقلب الكبير والعلم الواسع الذي لا زال حاضر معنا .. وسيبقى معنا

الحاج حسن فردان
رجل الإعمال المعرف / الامارات

• سيدي أبا موسى .. رحت ولا وداع .. عشت واحبتك ملء القلب منك والسمع والبصر .. فكيف ابحرت عنه ولاكلام ولا سلام ..كنا نمني النفس – والأمل الباسم يناغمنا – ان تكتحل نواضرنا برؤيتك ... ان يحتظننا حبك الكبير , وحنانك الدافى ,وبسمتك النديه .. ان نتمنى طلعتك البهية .. كنا نتمنى ونتمنى ونتمنى ... ولكن القدر المحتوم كان يصنع خطوط النهاية ..

السيد عبد الله الغريفي / البحرين

• اعتقد إن تاريخا الأدبي سيبرز من بين الاقلام التي عاشت على بلاغة الامام , وساهمت في ايصالها الى اجيالنا الادبية الاحقة , ثلاثة اقلام كان لها الدور المميز في اغناء المكتبة العربية بهذا النهج البلاغي العظيم .. الشريف الرضي في اختياره وعن ابي الحديد في شرحه .. والسيد عبد الزهراء الحسيني في رد الشبهة عنه .

الدكتور مصطفى جمال الدين

• لعل أخر دراسة توثيقية هامه وشاملة (عن نهج البلاغة ) اتبع فيها منهاج النقد الخارجي هي دراسة الأستاذ السيد عبد الزهراء الخطيب التي نشرها في كتابه مصادر نهج البلاغة وأسانيده.

الشيخ محمد مهدي شمس الدين

• هذا الكتاب (مصادر نهج البلاغة )أودعة مؤلفه السيد الجليل البحاثة المتتبع , والخطيب البارع السيد عبد الزهراء الحسيني حفظه الله , من الوثائق , الصحيحة والشوهد الصريحة ماجعله فذا في موضوعه , ولاشك في انك ان رجعت اليه فسوف لاتنكفيء عنه الا وانت مؤمن كل الايمان بانه المرتابين في نسب النهج هم ابعد الناس عن نهج الصواب .

آية الله العظمى الامام مرتضى آال ياسين المتوفي عام 1977

• كان السيد الخطيب عبد الزهراء الحسيني من اشد الباحثين عنايه بفهرسة هذه المصادر واكثر جمعا و إحصاءا لها في كتابه القيم ( مصادر نهج البلاغة واسانيده ). والكتاب حسن التقيم جيد التبويب . وهو في نظر النهج العلمي الحديث يعد قربى يتقرب به امثاله احقاقا للحق وابطالا للباطل .
د حامد حفني داود
أستاذ كرسي الأدب العربي
بجامعة عين شمس – القاهرة

• وفي الحق ان عملك الادبي هذا من اجل الإعمال التحقيقية الادبية على ندورها في هذه الايام , فبارك الله لك وفيك وعليك , وبارك هذا المجهود الرائع النافع الذي جهدتموه مشكورين مأجورين ,جامعين بين جليل الثواب وجميل الادب , واسال الله تعالى ان يطيل عمركم , ويجزل اجركم , ويسهل امركم لاتمام هذا البحث الجزيل الفوائد , الحاوي للكثير من الفرائد ..

الدكتور مصطفى جواد ( المتوفي عام 1969 )

• كان أول ما وفقت اليه – زاد الله توفيقك – انه تحديث لبحث اصيل , جزيل النفع , جليل الاثر ,فرسمت له خطة علمية تتجلى معالمها في تنسيق الفصول والابواب , وتنضيد المادة , ودقة الانسجام بين ماتنتهي منه , وما لمهتد له , بشكل تحقيق وحدة الموضوع , وتكامل اجزائه , فكان ان تراصت نتائج البحث , تلاءمت خلاصته بما يضمن له الرجحان في موازين البحوث الرصينة ... وسيقر لك اهل الانصاف والذمة العلمية بعدالة الميزان , وسلامة المقايسس , وبراعة العرض , والمعية الاستنتاج ,ونزاهة الحكم , وصراحة الفصل , ودقة الاحكام ...

الدكتور باقر عبد الغني
عميد معهد اللغات /جامعة بغداد

• استوحيت من الامل حقيقة , ومن التتبع والبحث واقعا ملموسا عندما اوصلني المطاف الى عظيم سفركم , وجليل بحثكم
( مصادر نهج البلاغة واسانيده ) وكنت له كالصادي في حمارة الصيف , اريد الارتشاف من مائه الزلال , وقد طلبته في كثير من المكتبات , فلم اوفق للحصول عليه , حتى اوليتموني به , ولما تصفحته اوردني بحق الى ما اصبوا اليه فهو خلاصة جهد الباحث المتطلع الهادف لما فيه من الادلة الماديه المقنعة التي تزيل الشك , وتبدد الاوهام .

الدكتور مهدي محبوبة

• قمتم بعمل تؤجرون عليه , وتشكرون دائما وابدا بما قدمتم لابناء الجيل الصاعد من حقائق واضحة , وحجج دامغة ....وقد سمعت بكتابك عن طريق مجلة ( العربي ) وسألت عنه رجل السيادة والعلم السيد هادي الفياض وهو اكرمه الله ارسله الي , فلك الشكر على ما قدمت وله الشكر على ما اهدى..

سماحة الشيخ محمد سعيد دحدوح/حلب

• وأخيرا اصدر احد العلماء موسوعة جيدة اثبت فيها اسانيد ومصادر كل خطبة ورساله وكلمة (من نهج البلاغة ) وهو العلامة السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب وقد طبع هذا العمل العلمي الهام في اربعة مجلدات تحت عنوان (مصادر نهج البلاغة واسانيده )تفوق عدد صفحاتها على( 1870) صفحة .
الشيخ حسن الصفار / السعودية

• هذا الكتاب اسمه (مصادر نهج البلاغة ) انهى أي نقاش حول نهج البلاغة واثبت انه نهج البلاغة , هو كلام الامام علي (عليه السلام) مؤلفه السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب رحمه الله مات غريبا في دمشق ودفن هناك هذا السيد كان لا يبحث عن شهرة او ألقاب.. خدم أهل البيت وجعل اعمال خالصة لله ..

الشيخ عبد الحميد المهاجر

• وبعد : فقد وصلني مااوصلتني به من عميم فضلك الواسع , ومحصول عملك الوافر .. وهو كتابك القيم الخالد , بل هو الاية من ايات ابداع الفكر العربي اللاسلامي المعاصر وسيبقى بلا ريب نبراسا تتهتدي به الاجيال الى احتقاق الحق وازهاق الباطل, وقد شاء الله ان يتم على يدك المباركة اصدار الحكم من محكمة التاريخ الكبرى العتيدة ببراءة كتاب (نهج البلاغة ) وجامعه سيدنا (الشريف الرضي) مما الصق بهم من التهم المختلفة .

الأستاذ توفيق الفكيكي .

• وبعد تطلع وانتظار تسلمت (مصادر نهج البلاغة واسانيده ) الذي بشرت به انديتنا منذ عامين , فرحت اتلو سورا من بيانك الذي كان قبسا من بلاغة علي عليه السلام , واستعرض صورا من الاسانيد التي دحضت بها شبهات المرجفين ... انه لجهاد كبير بطريقة مبتكرة تحققت اغراضة على يديك .. ويسرني بهذه المناسبة ان اقدم لك التهنئة لما احرزت من فوز في المجال الذي كنت مذخرا له .

طاهر أبو رغيف

• وإذا كان كتاب الحسيني – وهو الكتاب الاهم – يتعلق بمصادر نهج البلاغة .. فالمؤلف لم يكتف بذلك وانما جعل من كتابه موسوعة للرد على كل مايتصل بمشكلة الاصالة .

الأستاذ إياد الحسني.

• إن المجال الذي تقحمه السيد الخطيب لم تقل فيه الكلمة الاخيرة وان الباب ما يزال مفتوحا امام من اراد تكملة مشروعه الرائد .. ويكفيه انه وضع الاساس على خير قاعدة واوضح منهج . واعتقادي اكيد بأن لو فسح له الاجل لأتى بأمور اوسع وأشمل وأكمل وأدق , ولكن كثرة الترحال واختلاف الزمان منعاه من ذلك ..

الدكتور عبد الرحيم حسن

• لقد كان السيد رحمه الله عالما كبيرا , يعمل كالجندي المجهول دون ضجة ولا صخب , حتى آخر لحظة من حياته , وقد اجهده السن والمرض , فلم يفتر عن خدمة العلم والدين والمذهب , فكان بحق نجما ثاقبا لا يأفل ..

الدكتور لبيب بيضون
كلية العلوم / جامعة دمشق

• هكذا دخل التارخ من اوسع بواباته رائد كبيرا من رواد البحث العلمي والتحقيق الموضوعي . ولا نغالي إذا قلنا بأن للسيد الحسيني الخطيب يدا على كل عشاق الحق والعلم والادب فقد طوق بعطائه الاعناق , وكان في هذا المضمار الفارس السباق ..

السيد حسين الصدر

• انه لعطاء بجميع معنى الكلمة , يعطي العلم وطالبه ويعطي الاخلاق لمريدها , ويعطي الاموال للمحتاج لاتنقبض يده عن ساعد , يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة ..

الشيخ محمد علي زين الدين الدراز / البحرين

• هؤلاء العظماء مدرسة . ينبغي ان تكتب حياتهم في كتيبات صغيرة , وان نظعها بين يدي ابنائنا ... ومن اولئك السيد عبد الزهراء الحسيني اعلى الله مقامه ... كنت معه رضوان الله عليه في مكتبة البصرة ودخلنا الى غرفة المصلى والمراجع , فلتفت لي , وقال كلها قرأتها ... هذه الكتب كلما قرئتها , والمصادر كلما قرئتها ...

السيد محمد عبد الحكيم الصافي

• أخر مرة كنت في خدمة السيد الحسيني .. فكان ماكان , لكن الكلمة التي بقيت تترنم في قلبي كمزامير داوود هي قوله : ( انا لاشيء يهمني الا قضية واحدة – السيد واثق بربه من كل النواحي لكن قضية واحدة كان يخاف السيد عبد الزهراء منها , هكذا صرح لنا اخر لقاء , هل يخاف على اولاده ؟ ربهم كافيهم . هل يخاف على شعبه؟ للبيت رب يحميه . ما الذي يخيفه ؟ .. قال لي اخاف ان يكون في الكرة الارضية من يحب امير المؤمنيين اكثر مني ..) . وما هذه الا وصية من السيد عبد الزهراء اراد ان يقول من خلالها تنافسوا في حب علي ,تسابقوا في حب علي , لان الجنة وراء هذا الحب , وهذا الحب دليل الجنة .

الدكتور اسعد علي
مستشار الرئيس حافظ الاسد للشؤون الثقافية .

• وكان للحجة الراحل السيد عبد الزهراء نور الله ضريحه الدور البارز في جنوب العراق ووسطه ... وبكل ما اتاه الله , حاميا من حماة الشريعة ولسانا من السنته الصادقة حتى اندحر الكفر وهزمت الرذيلة وولو الدبر وانتعشت الصحوة الاسلامية فكان احد ادواتها في اعادته بناء الامة بناءا رساليا حديثا

الشيخ محمد باقر الناصري


• إن هذا العلم العظيم وهذه الشخصية الفذة ينبغي ان تكون لنا عبرة وعظة ونموذجا في تحركنا وتفكيرنا في علاقتنا مع الاخرين , بأن ننطلق من هذه المناسبة مفعلين لهذه الحقائق لكي نكون عند حسن ظن الفقيد وهو ينعم عند الله سبحانه وتعالى وهو يطل علينا , بأن نسير على النهج الذي سار عليه وكرس حياته من اجله , واحب كل اخوانه , واحب كل اخوانه واحب كل متعلقيه واخلص لقضيته اخلاصا حقيقيا فانعكس ذلك على ممارسته وفكره وامثاله واقواله ...

الدكتور عبد الزهرة البندر
عضو المكتب السياسي لحزب الدعوة الاسلامية


• هذا ا الاخ الحبيب المجاهد الذي تعرفت عليه منذ حوالي خمس وثلاثين عاما ورايت فيه الاخلاص والطيبة والمودة وحب الخدمة للاسلام واهله ثم رأيته محققا مبدعا وعالما فاضلا في خدمة اهل البيت عليهم السلام فجزاه الله عن الاسلام واهلة افضل الجزاء .

شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم

• في أربعين العلامة السيد عبد الزهراء الخطيب وقف الضمير العراقي وقفة حب وتقدير ووفاء ... وقف الضمير العراقي وقفة وفاء لرجل حمل هم العراقيين وطاف به الارض , بجسد ناحل اجهدته النفس الكبيرة التي انطوى عليها ... وقد اساء الكثير منا الظن بقيم العراق واخلاصهم لرجاله ووفائه لهم , فاخطا في ذلك , لان الضمير العراقي حي لايموت , يحب من اخلص اليه ويوفي لمن وفى له .. فكانت الاربعين التي احياها هذا الجمهور الغفير من العراقيين دون طمع او رغبة في رضى احد,تعبيرا عن طهارة الضمير القائمة ... اربعينية السيد الراحل , تصويت على الاخيار الطيبين منالامة الذين يعيشون حزنا وغربة واحتراما , ليست فرصة وثروة واشتهاء ..

صحيفة نداء الرافدين
21 /2/1994
• أعطى (العمة )حقها , وسار الى الناس كأحدهم , وكان يتالم لا لامهم ويفرح لفرحهم ... حتى وهبه الله من الكرامات ما لا يعد , كان اخرها وليس اخيرها ,تلك المجالس العديدة التي اقيمت على روحه الطاهرة في مختلف مناطق العالم .. والسيد الفقيد عرفناه تقيا ورعا يخشى الله في الناس وخصوصا فقرائهم من اليتامى وارامل ...

الأستاذ علي محسن الموسوي


• هناك نقطة هامة في سيرة هذا السيد الجليل اغفلت من قبل كل المتحدثين عن شخصيته رحمه الله وهي .. ان اثقل الاخلاق على ارواح جل الناس كانت اخفها والينها واسهلها الى روح سيدنا الفقيد الا وهو التواضع فقد وجدته عن قرب – متواضعا في سلوكه وازاء سمعته متواضعا ووجاهته . ويكره اشد الكره ان ينادى وينعت بالالقاب التي تعارف عليه امثاله .. وكان من خصوصيات مجلسه يرحمه الله هو توفيره لمطلب من اهم مطالب الانسان الاوهو الامن النفسي ... ولم ارى احد وفر هذا الجو من الامن لسيدنا الفقيد رحمه الله لكل جليس من جلسائه , فلا يشعر جليسه الا بكرامة نفسة وسمو شخصيته من خلال ما يوليه سيدنا الفقيد من احترام واهتمام ورعاية ..

الشيخ عبد العظيم الكندي

• رأيته رحمه الله حينما رجعت الى الشام .. رأيته سيدا تهفوا اليه القلوب ولكلماته وتوجيهاته تهوى الاسماع والافئدة . يلج بيوت الناس متفقدا وعائدا .. وكانت عصاه المباركة تطأ الابواب فيمتلى اهل البيت سرورا لان السيد عبد الزهراء الخطيب تزوره .. لم تنسى بيوت الشباب في منطقة السيدة زينب حينما كان يحل بين ابنائه موجها ومرشدا .. يبعث من يأتيهم بالطعام ويأكل معهم ويحدثهم ويقضي معهم ساعات .. كان رحمه الله يوكد على مسألة قضاء الحوائج والسعي فيها , فما قصده صاحب حاجة ورجع خائبا , وقد سمعته مرارا يقول لقد الزمت نفسي على ان ادخل السرور على ثلاث من المؤمنين كل يوم ..

الشيخ فيصل الكاظمي

• كان يطلب مني ان اوصل بعض المساعدات لبعض العوائل بشرط الا اخبرهم انه هو مصدر هذه المساعدات ولم يقتصر عطائه ومساعداته على مريديه ومحبيه بل كانت تشمل حتى من يعادونه حسدا .

الشيخ جعفر الهلالي

• استقر السيد الحسيني رحمه الله في دمشق ضيفا كريما وعزيزا عليها بعد ان جاءها نفيا من البحرين , وقد استفدت منه كثيرا .. علما وخلقا وتجارب ونصائح لا يستغنى عنها ..

السيد عامر الحلو

• واتذكر اني ذات يوم كنت جالس الى جنبه في صحن السيدة زينب (عليها السلام) فأخذ ينادي من يعرفهم ويعطيهم اموالا يخرجها من جيبه الى ان اراد الانصراف الى داره التفت الى من كان جالس بجنبه قائلا : اعطني شيئا يوصلني الى اهلي .

السيد عدنان الحلو


• ايها السيد الجليل : اقف بأجلال امام همك الاكبر .. هدفك العظيم .. كنت كما اوصى الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم .. متمسكا بالثقلين .. معبرك على سرادق المجد .. لتكون لامتك , ملهما ومعلما رساليا , لا ينحو نجمه .. ولا ينصب معينه .. وتفتخر بك امتك في زمن احوج ماتكون فيه لعلمائها الحقيقيين ..

الأستاذ عبد الرزاق الكاظمي
الناطق بأسم رئيس الوزراء سابقا
عضو مجلس النواب حاليا.

• يا موسوعة التاريخ المتحرك ويا دائرة معارف النهج ويا سيد المنبر والمحراب , وياشيخ المحققين والباحثين , ويا ايها المتضلع في علوم ال محمد , خسأ الموت ان ينال من خلودك او يحدد عمرا قصيرا ..

السيد داخل الخطيب

• قدرته النادرة على الحفظ , والذاكرة التي تختزن الماضي البعيد , مكنته من الهيمنة على التاريخ , فتراه يسرد لك احداثة وكانه مكتبه تختزن كل المخطوطات التاريخية النادرة , والتي يعرف التالف منها ومواطن التواجد الباقي . فلاتكاد تسأله مسأله في التاريخ الا اوحالك الى مصادرها , لا تختلط عليه اسماء الرجال الاعلام وان تكررت . واحيالك على شاهد واحد على سبيل المثال لا الحصر نجده في كتاب الشافي في الامامة للشريف المرتضى لنرى حقيقة الإبداع والتخصص والتي تفرد بها سيدنا المحقق في تاريخنا المعاصر .

الشيخ خير الله البصري

• والفقيد الراحل العلامة السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب هو واحد من اولائك الرجال الذين نذروا انفسهم لخدمة الانسان وبناء الحضارة في جانب من أسمى جوانبها وهو العلم .. لقد كان طاقة متوهجة رغم السنين الطويلة ورغم سنه وظروفه الصحية وظروف الهجرة .. كان بحق عالما كبيرا يعي دور الكلمة ويدلو مسؤولية العلماء بتوحيد الامة وانارة طريقها الاحب ..

مجلة الفكر الجديد
أب 1994

• وبرز في منهج العلامة الحسيني ما يمكن تسميته بظاهرة ( التواصل العلمي) إذ لا يكف عن الاشادة بالباحثين ممن سبقوه في معالجة موضوع بحثه - ومن خصائصه , مايمكن تسميته بالكرم العلمي وتسييل المعرفة , فلم يعرف عن الحسيني نزوعة الى الاحتكار , فكان رحمه الله يفيض بجلسائه من علومه وافكاره بما لا مزيد عليه ويشير الى المصادر والمراجع .. وهي خصيصة قلما تعثر عليها في صفوف المحققين والعلماء , اذ ينزعون في احيان كثيره الى السرية , والى درجة تتضخم عند البعض فترقى الى حد المرض .

الأستاذ محمد الحسيني


• نوقشت رسالة علمية وكان عنوانها ( المنهج البلاغي لابن ابي الحديد في شرحه نهج البلاغة ) . انبرا احد المناقشين ونسب بعض الخطب للامام علي عليه السلام الى الشريف الرضي, وأنفعل انفعالا كبيرا على الطالب . وكان انذاك بين الحاضرين الاستاذ الدكتور حسين علي محفوظ رئيس الدراسات الشرقية في جامعة بغداد , فوقف مستأذن من المناقش قائلا له : لقد ذكرت شيء ولكنك نسيت اشياءا , اما لك ان ترجع الى كتاب مصادر نهج البلاغة واسانيده للسيد عبد الزهراء الحسيني فلقد دون ماقلت الى مصادره الاصلية قبل قرنين مما تقول . فذهل ذلك الاستاذ وقال تؤجل المناقشات لبضع ساعات .. بعد ذلك اعتذر ذلك الاستاذ وقال : جري بهذا الكتاب ان يغزو جميع المكتبات , ليكونوا الناس على بصيرة من امرهم ..

الدكتور ناصر السراجي / قطر

• المؤسف إن مأساة العراق حالت دون ان ينجز العلامة الحسيني الاهم من مشاريعه الاديبة وهو في بدايته والذي لو قدر له ان ينجز لغير الكثير من المسلمات في التراث العربي , وهو كتاب ( التحريف والتصحيف ) لكل ما وقع في التراث العربي المخطوط والمطبوع ’ والذي كان مقدر له ان يكون في عشر مجلدات ناهيك عن كتابين اخرين صادر النظام الفاشي مسوداتهما مع مكتبته الثمينة الغنية بمخطوطاتها وقد حالت الام الغربة بينه وبين المادة كتاباتهما هما : ( عمر بن عبد العزيز ) و ( عمل مسرحي عن كربلاء ) .

الدكتور صاحب الحكيم

• العلامة الحسيني تخلل في وجدانه مدينة بلد ووجدان أبنائها إلى الدرجة التي اصبحت فيها مجرد ذكره يضفي على الجو طابعا علميا لذيذا عن ايام كانت بحركتها وعنفوانها حركة فكرية وثقافية يحركها بطريقة اثرت تأثيرا كبيرا في توسيع مدارك الشباب بغير الشباب في هذه المدينة الهادئة مما جعله نقطة تحول في تاريخ المدينة .

الشاعر جعفر السيد صادق البلداوي