الاثنين، 3 يناير 2011

درس الإيثار في كربلاء

درس الإيثار في عاشوراء
السيد محمد الياسري

  درس آخر .. من روائع دروس عاشوراء .. يجعلنا نقف أمام أروع أمثولة للشموخ والإيثار .. وهل يستطيع المرأ إلا أن يكبر الله أمامها .
  الله أكبر .. أي قمة من قمم الخلود والسمو إرتقاها أولئك اللذين إنفصلوا عن الزمان والمكان فأصبحوا ملكا مشاعا للحياة والإنسان  .
  الله أكبر .. أي صفة إتصفت بها تلك النفوس المتميزة وأي قدرة لديها على التخلص من نوازع النفس الذاتية .
  الله أكبر .. أي درس مجاني تقدمه مدرسة عاشوراء للبشرية أجمع وللأجيال المتعاقبة لتقويم المسار بإتجاه التكامل الإنساني .  
    ففي مدرسة عاشوراء يظهر شاخص الإيثار كركن أساس من أركان المنهج الحسيني ..
   وقالوا عن الإيثار في اللغة هو تفضيل الغير على النفس وعكسه الإثرة وهي داء الأنانية .. وقالوا هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رعاية في الحظوظ الأخروية ..وهو بذل المال والنفس فداء لمن هو أفضل من الذات .. وتقاربه مصطلحات الجود والبذل والسخاء ..
    ولذلك إنعكاساته أو هو إنعكاس من التقوى وقوة الإيمان بالله تعالى والثقة بما عنده .. وبذلك يكون من أكثر الوسائل تأليفا للقلوب  وجذبا لها بإتجاه الرسالة التي يحملها المؤثرون على أنفسهم .
   ولا يمكن أن تقوم دعوة إلهية صادقة إلا برجال يؤثرون على أنفسهم فترفعهم هذه الصفة في أعين الناس وتجعل منهم قدوة وأسوة حسنة .
   وقد ورد الإيثار في القرآن في مواطن عديدة وصور كثيرة .. أشارت الى الجنبة الإيجابية وهي الإيثار وأخرى أشارت الى الجنبة السلبية وهي الإثرة .
  قال تعالى : ( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ) الأعلى 16/17
  وقال سبحانه : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) الحشر 9.
  وقال جل إسمه : ( قالوا لن نؤثرك على ما جائنا من البينات والذي فطرنا ) طه 72.
  ومن هذا المنطلق القرآني الإيجابي لا زمت هذه الصفة الكريمة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله وسلم" .. فكان " عليه الصلاة والسلام " شديد الإيثار حتى أشفق عليه أهل بيته وأصحابه من شدة إيثاره .. فعن جابر قال ما سُئل النبي عن شيء قط وقال لا .
أما أهل بيته " عليهم السلام" فكان الإيثار خلقهم وسجيتهم . وما أكثر القصص الرائعة التي تورد بهذا الصدد بدأً من التعاون بالجاروش ومرورا بإطعام المسكين واليتيم والأسير وتفضيلهم وتقديمهم على النفس والعائلة  .. قال الله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله ،
 لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا
* فوقاهم الله شر ذلك اليوم * ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) .              - آية الإنسان 8 - 12
  روى الواحدي في أسباب النزول في قوله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ) ، قال : قال عطاء عن ابن عباس : وذلك أن علي بن أبي طالب ، أجر نفسه يسقي نخلا بشئ من شعير ليلة ، حتى أصبح ، وقبض الشعير ، وطحن ثلثه ،
فجعلوا منه شيئا ليأكلوا يقال له : ( الخزيرة ) ، فلما تم إنضاجه ، أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي ، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه ، وطووا يومهم ذلك ، فأنزلت فيهم هذه الآية.
  فمنهم نتعلم هذا المعنى السامي من معاني الإيثار .. المؤمن نفسه منه في تعب والناس منه في راحة ..
   من تلك البيئة ومن ذلك البيت وعلى يد ذلك الرسول العظيم نشأ وترعرع وتربى الحسين بن علي سبط رسول الله .. فلمع كوكبا مضيئا في سماء الإيثار .. ليغرس في نفوس أهل بيته وأصحابه يوم عاشوراء تلك القيم الرفيعة والأخلاق الفاضلة .
  فكانت في كربلاء لوحة زاخرة بألوان الإيثار الزاهية .. فالإمام الناهض آثر الآخرة على الدنيا وقدم نفسه فداء في سبيل الله تعالى .
   وأصحابه كانوا رائعة أخرى .. فحينما كان يزيد يجند الناس لقتل الحسين ومن معه .. كان الناس يقولون له كم تدفع ؟ أما أنصار الحسين وأهل بيته فكانوا يقولون له لو نقتل سبعين مرة ونقطع ونحرق ونذرى في الهواء وتعاد لنا الحياة فنحن على إستعداد للقتال بين يديك لنقتل مرة أخرى .
   وعندما أذن لهم الإمام لينجوا بأنفسم قائلا لهم ( هذا الليل فإتخذوه جملا ) فإن القوم يطلبونني قالوا : لا نخذلك ولا نختار العيش بعدك .
   ولما سقط مسلم بن عوسجة أوصى حبيبا وهو في آخر رمق من حياته (( أوصيك بهذا الغريب أن تقاتل دونه حتى الموت )) .  
   ووقف بعض أصحابه ظهيرة عاشوراء إذ وقف للصلاة جماعة ليقوه سهام العدو بصدورهم . ولو إقتصرنا على رمزين شاخصين في ميدان الإيثار .. فلا نستطيع أن نتعدى إسم العباس بن علي بن أبي طالب "ع" نجم مضيء ثاقب في سماء الإيثار في عاشوراء .. فقد خاض نهر الفرات بشفاه عطشى فعز عليه أن يشرب الماء والحسين والنساء والأطفال يقتلهم العطش والجوع .. وهو يخاطب نفسه .. أتشربين الماء والحسين عطشان .
   لقد ضحى بكفه حتى لا يضحي بكف الحقيقة .. وضحى بعينه حتى لا يضحي بعين البصيرة .. وضحى برأسه حتى لا يضحي برأس الإيمان .
   فما أبصرت مبدعا كالحسين يخط الحياة بلا إصبع .. ولا عاشقا كأبي الفضل يجيد العناق بلا أذرع ..
    ونجم لامع آخر .. وهو الحر الرياحي الذي آثر الجنة على النار والآخر ة على الدنيا والفعل الخالد على الفعل الزائل والحسين إبن علي إلإمام إبن الإمام على يزيد بن معاوية الطاغية إبن الطاغية .. فكانت عاقبته نعم العاقبة بخلاف ما إنتهت إليه عاقبة إبن سعد الذي آثر ملك الري وهو منيته فرجع مأثوما خائبا بقتل سبط رسول الله "ص" .
 فوالله ما أدري وإني لصادق *** أفكر في أمري على خطرَين
أأترك ملك الري والري منيتي *** أم أصبح مأثوماً بقتل حسين
حسين ابن
عمّي والحوادث جمَّة *** ولكن لي في الري قرِّة عيني
يقولون إن الله خالق جنَّة
***  ونار وتعذيب و غل يدين
فإن صدقوا بما يقولون إنني  *** أتوب إلى الرحمن من
سنتين
وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة *** وملك عقيم دائم الحجلين
وإن إله العرش
يغفر زلَّتي  *** ولو كنتُ فيها أظلم الثقلين
ولكنما الدنيا بخير معجل    ***  وما
عاقل باع الوجود بدين
          وروي أن الحسين عليه السلام قال لعمر بن سعد في كربلاء: أي عمر ، أتزعم إنك تقتلني ويوليك الدعي بلاد الري وجرجان ، والله لا تتهنأ بذلك عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع فإنك لن تفرح بعدي بدنيا و لا آخرة ، فكأني برأسك على قصبة قد نُصِب بالكوفة يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضاً بينهم.
  تقابل في كربلاء الإيثار مع الإثرة .. فالحسين وأهل بيته وأصحابه تسربلوا بالإيثار وتسربل الإيثار بهم .. ويزيد وإبن زياد وإبن سعد وشمر بن ذي الجوشن وجيشهم الأعمى إستمكنت منهم نفوسهم الأمارة بالسوء وسقطوا في وحل الإثرة والذنوب .
   ونحن قوم لا حياة لنا إن لم نتعلم الدرس جيدا .. وأسفي على قومي لأنهم لم يتعلموا بعد .. فالإثرة هي السمة والظاهرة الغالبة في مجتمعاتنا اليوم .. على مستويات العمل والصداقة والحياة الأسرية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية .
   أما الإيثار فهم العملة النادرة في هذا الزمن .
 نعيب زمـانـنا والــعــيب فــينـا ,,,,,,,,, ومــا لـزمانـنا عيــب ســــــوانا
ونـــهـجـو ذا الـزمان بغير ذنـب ,,,,,,,,, ولــــو نــطق الــزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئــب,,,,,,,, ويــأكل بـعــضنا بــــــــعـضا عـــيانا
   فلو كانت تلك المثل العليا عند قوم آخرين .. لعرفوا كيف يتعلموا منها ؟ وكيف ينتفعوا منها في نشر مايؤمنون به ؟ .
  لذلك قال المسيحي إنطوان بارا (( لوكان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية ولأقمنا له في كل أرض منبر ولدعونا الناس الى المسيحية بإسم الحسين )) .
   أمامنا الشهيد قدم درسا بليغا للعالم في الإيثار .. من خلال التضحية بنفسه وبأعز الناس لديه . وحسب بدقة حساب النصر والهزيمة فخرج في النهاية منتصرا بدمه على سيف بني أمية .. والعالم اليوم كله يشهد بذلك ولا ينكره إلا مكابر أو معاند .
  حتى قالوا " لم يشهد التاريخ قط هزيمة إنتهت لصالح المهزومين غير ما جرى في ملحمة عاشوراء على أرض كربلاء عام 61 للهجرة المباركة .
   وفي الختام : لايجب أن يفتخر ويحتفي الشيعة وحدهم بالحسين بل من حق جميع أحرار العالم الإفتخار به .
 

    
    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق