الأربعاء، 7 أبريل 2010

أي دولة نريد في العراق ؟


أي دولة نريد في العراق؟

بقلم: السيد محمد الياسري

   كثيرة هي الصور لطبيعة الدولة في العراق الجديد. . وكثيرة هي الإرادات لما ينبغي أن تكون عليه هذه الدولة.. ولا أعني هنا مفاهيم النظام السياسي عند علماء السياسية والقانون. . أي المضمون والمذهب السياسي سواء أكان ديمقراطياً أو ثيوقراطياً أو شمولياً أو استبداديا أو إسلامياً إلى ما هنالك من مذاهب شتى.. ولا أقصد به شكل نظام الحكم.. رئايساً أو برلمانياً أو ملكياً أو ولائياً أو جامعاً أو مختلطاً إلى ما هنالك من أشكال.

  بل أقصد إشكاليات. القانون والفوضى. العدل والظلم. التسامح والتعصب. السلم والحرب. الشراكة والتفرد. الوطنية والطائفية أو العنصرية.

   أي دولة نريد في العراق؟ في ظل هذه الإشكاليات المتشابكة بفعل الإرادات الخيرة والشريرة التي تتصارع من أجل تشكيل صورة العراق الجديد. . فهي حرب إرادات بعضها يريد دولة القانون العادل المتسامح الذي يجنح إلى السلم ويعتمد الشراكة ويتحلى بالوطنية. . وآخر يريد دولة الفوضى الظالمة المتعصبة التي تجنح إلى الحرب والتفرد والاستبداد وتحكمها روح الطائفية وهدم الأعراق والعناصر الأخرى..

  وهذه الحالة الإرادوية المتصارعة تنتمي الى ثقافات مختلفة.. ثقافة لها جذور ضاربة في العمق. . وثقافة ليس لها على أرض العراق من قرار.. فإرادة الخير التي تنشد القانون العادل هي ناتج العراق الطبيعي حيث سن على أرضه أول قانون لتنظيم شؤون البشر في ظل الدولة البابلية والملك حمورابي.

  أما إرادة الشر التي تنشد الفوضى فهي ناتج الظواهر والحركات الطارئة على العالمين العربي والإسلامي فضلاً عن العراق وأوضح مصاديقها البعثي والصهيونية والوهابية وغيرها. . والتي تقوم على الإكراه والإرهاب والتكفير والنفي والحذف والإقصاء والتعصب والفتن والحروب والتقاطعات والتنازعات المجتمعية. . من هنا يأتي سؤال أي دولة تريد؟ وبعبارة أخرى ما هي إرادتنا نحن الشعب العراقي لطبيعة الدولة في العراق؟

  جربنا كل المذاهب والنظم والأشكال للحكم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وحتى اليوم كان تأريخ هذه الدولة حافلاً بأزمات متتابعة من دولة منفصلة عن المجتمع إلى دولة متسلطة وإنتهاءا بدولة عاجزة أمام مخاضات المجتمع ظل العراق مدار صراعات كبرى مصدرها غياب الفهم الصحيح لمعنى الدولة ودورها..

  كنا نحلم أو نعمل كإسلاميين على قيام دولة إسلامية تحكمها عدالة الإسلام وتسودها كرامة الإنسان.. وقد اشتغلنا على استجلاء النظرية الإسلامية لنظام الحكم من خلال بلورة فقه شامل لنواحي الحياة المختلفة للخروج بصورة تطبيقية للشريعة الإسلامية الكاملة سيما نظام الحكم فيها.

  ونحن على وعي كامل بضرورات الواقع واحتياجاته وندرك أن النظام الإسلامي أو دولة الإسلام تستمد شريعتها وسيادتها من حاكمية الشريعة الإسلامية في الوقت التي تحظى فيه هذه الدولة بشرعية شعبية واسعة خصوصاً في العراق بين الناس فهي (دولة العدل) ونتوق إلى احترام حقوق الإنسان وكرامته وإرادته فهي (دولة الإنسان) ونتطلع إلى أن يعم السلام والأمن والاستقرار والرفاه والتقدم والتطور المستمر.. وفي الوقت الذي نهتم فيه بالاسم والشكل نؤكد على المضمون فقد لا يكون أسم الدولة إسلامياً لكن مضمونها وممارساتها إسلامية أي عادلة أي إنسانية أي قانونية.

   فالجدير بالاهتمام أن نركز على المضامين السامية في بناء الدولة وتغييرها نحو الأفضل فهي ليست غنيمة يتصارع لنيلها وليست عقيدة يحتكر تأويلها بل هي بناء مؤسساتي وإدارة حديثة. . إنها تجسيد لتصالح المجتمع مع نفسه وهي تعبير عن هوية الأمة وتمثيل لطموحاتها المشروعة لذلك لا ينبغي أن تكون احتكارا لفرد أو عائلة أو طائفة أو حزب ولا ينبغي أن تكون غنيمة يتقاسمها أفراد أو عوائل أو طوائف أو أحزاب فليس لها إلا أن تكون محايدة أمام كل هذه التصنيفات وقادرة على احتوائها ومعبرة عن المشترك الذي يجمعها.

   والدولة في عقيدتنا ليست مجرد جهاز حاكم بل هي ظاهرة روحية بالأساس وحضارية في النتيجة فدور الدولة هو أن تدفع بالشعب في صيرورة لا نهاية لها عن طريق وضع الله تعالى كهدف لمسيرتها الإنسانية.

   لذا فشلت كل النظم التي قفزت فوق البناء الثقافي للشعب العراقي وتجاوزته وآخرها النظام البعثي الذي تقابل مع ثقافة العراق وصادر ماضيه وفرض عليه قيماً وأهدافا متناقضة مع تأريخه وذهنيته وعقيدته.. لذا لم يستطع هذا النظام أن يتوائم مع الشعب ووجد نفسه في عزلة يواجه فيها شعب لا يقهر. . من هنا لجأ إلى ممارسة الضغط والقهر ليكسر إرادة الشعب ويرضخه لسياساته الهمجية لكن سنة الله تقضي بناء الشعب وفناء الظلم.

   استطاع الشعب العراقي بمثالية جهادية بعيدة عن التطرف والتبرير نابعة من مدرسة أهل البيت النبوي عليهم السلام أن يقهر طغيان دولة البعث ليبدأ مسيرة جديدة في بناء الدولة المعاصرة كما استوعب المؤسسات السياسية العصرية من منظور إيماني إسلامي وطني (الدستور ، البرلمان ، الانتخابات الخ..).

   وكان وما زال التفكير في دولة تبنى وفق مقاسات وطنية يتوافق محتواها القيمي والمفهومي مع ضمير الشعب المسلم فلا تتناقض مع عقيدته وسلوكه وبناءه النفسي لتتحرك عجلة التغيير والبناء في طريقها الصحيحة بإرادة عراقية فإرادتنا هي إرادة التغيير والبناء وبالتالي لا يمكن لدولتنا وقف هذه المقاسات النموذجية إلا أن تكون (دولة القانون) فالقانون هو الذي يحمي الدولة من أن تستلب وهو الذي يحمي المجتمع والأفراد من أن تنتهك الدولة حقوقهم وهو الذي ينظم العلاقة بين الطرفين فلا دولة منقطعة أو متسلطة أو عاجزة بل دولة فاعلة وفق أسس العدالة والمساواة والإخلاص والكفاءة وكلها لا تنتظم إلا عبر القانون بروحه ولغته وهو الذي يمنع ظهور دكتاتورية متهورة جديدة يشيع فيها الظلم والاستبداد وتزج البلاد في مغامرات مدمرة

  والقانون هو الذي يجعل الدولة مسؤولة أمام المجتمع ومساءلة من قبل ممثليه الحقيقيين وقد رأيت الويلات في ظل الدكتاتورية وغياب القانون سيادة الفوضى وغياب الخدمات والخوف وعدم الاستقرار واستقواء الآخرين ودولة الغنائم والمحاصصة المقيتة. . ودولة يضرب فيها الإرهاب أطنابه وتتفشى فيها الجريمة المنظمة واستخدام النفوذ والسرقة والسلب بقوة السلاح والفساد وسياسيات الإرضاء.

   والقول الفصل نريد للعراق (دولة القانون ، دولة المؤسسات، دولة العدل. دولة الإنسان) التي وضعت نصب عينها الثوابت التالية:

1- وحدة العراق أرضاً وشعباً وسيادة هي التزام لا يمكن المساومة عليه أو التهاون فيه والتعهد بمواجهة كل ما من شأنه الإضرار بهذه الوحدة.

2- لا تمييز بين العراقيين على أساس الجنس أو الدين أو المذهب أو العرق والتعهد باعتماد المواطنة أساساً للحقوق والواجبات.

3- العمل على بناء دولة قوية تقوم على أساس الدستور وحكومة مركزية (اتحادية) قادرة على النهوض بمسؤولياتها واعتماد الحوار أسلوباً لحل الخلافات.

4- السيادة والأمن والسياسية الخارجية وإدارة الثروات الطبيعية والمياه كلها من مسؤولية الحكومة المركزية.

5- دعم إدارات الأقاليم ومجالس المحافظات غير المرتبطة بإقليم في ممارسة مسؤولياتها والقيام بواجباتها الدستورية.

6- تأكيد الانتماء العربي الإسلامي للعراق مع الحفاظ على استقلال قراره السياسي.

7- بناء علاقات إيجابية مع جميع الدول تقوم على أساس المصالح المشتركة وتعزيز فرص السلام والاستقرار وعدم التدخل بالشؤون الداخلية.

8- حصر السلاح بيد الدولة باعتبارها المسؤولة عن أمن العراق داخلياً وخارجياً وأبعاد أجهزة الأمن والجيش والشرطة عن التأثيرات السياسية وكل ما من شأنه التأثير على أدائها المهني المستند إلى العقيدة الوطنية الجامعة.

9- حماية الحريات العامة والخاصة وعدم السماح لأية جهة بمصادرتها أو التضييق عليها.

10- الالتزام بإحداث نهضة اقتصادية شاملة وفسح المجال للقطاع الخاص والاستثمار الوطني والاجنبي وعدم احتكار الدولة لقطاعات الاقتصاد المختلفة والتأكيد على مبدأ الاقتصاد المختلط لضمان دور الدولة في مراقبة السوق وتحقيق العدالة ومنع الاحتكار.

11- رفض سياسية المحاصصة في توزيع الوزارات والمناصب الحكومية والوظائف العامة واعتماد التحالفات البرلمانية والثوابت الوطنية والكفاءة والنزاهة.

12- الالتزام بدعم رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومته من فريق عمل متجانس يكون أعضاؤه مسؤولين أمام رئيس الوزراء والبرلمان وليس أمام كتلهم وأحزابهم.

13- دعم استقلالية القضاء وحمايته من التدخلات السياسية والاجتماعية.

14- التعهد بإطلاق برنامج فعال للنهوض بواقع المرأة وقطاع الشباب ورعاية الثقافة والفن ومنظمات المجتمع المدني والعشائر بما يعزز تماسك المجتمع وفرص التنمية على المستويات كافة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق