الحريات والحقوق
السيد محمد الياسري
تبقى قضية الحريات والحقوق الإنسانية في مقدمة القضايا والموضوعات المثيرة للجدل .. سيما عندما نرى الفجوة الكبيرة والتي تتسع يوما بعد آخر بين النظرية والتطبيق أو الفكر والممارسة .. ويثار الجدل بصورة أكثر حساسية عندما ندخل دائرة الحريات السياسية فهنا تتعقد الأمور وتتقاطع الإجتهادات .. فيحاول البعض قاصدا أن يفرّق بين الحقوق السياسية والإنسانية الأمر الذي يفسح المجال أمام معيارية غير مسؤولة وكيل بمكيالين .. فتحجب النصرة للحدث وفق الولاءات والمصالح وهذا واقع بالأرقام لسنا بصدد سوق الشواهد عليه ومن أراد الإستزادة عليه مراجعة كتاب (الأصوليات المعاصرة) للكاتب الفرنسي المعروف (روجيه جارودي) .
لذلك نحن بحاجة الى قراءة مركزة في هذا المجال لأن هناك تجارب إنسانية رائدة تبعها تزييف وتشويه متعمد .. تجارب إنسانية تعتقد إن كرامة الإنسان وقداسته تشمل كل أبعاد الكرامة والقداسة الإنسانية ولاتقتصر على الترميق الأيديولوجي كما يعبر (محمد أركون) في كتابه (نافذة على الإسلام) .
فإذا أردنا أن نتجول بين الآراء والنصوص التي تطرقت للحريات والحقوق وأي النظريات أكمل وأشمل وأقدم .. نقول لم يكن (جان جاك روسو) وهو أحد دهاقنة الثورة الفرنسية أول من أطلق صرخته في مجال حقوق الإنسان حين قال ((يولد الناس أحرارا ولكنهم مقيدون بالأغلال في كل مكان )) فقد سبقه رجل الإسلام الثاني علي بن أبي طالب (ع) حين وجه خطابه الى الإنسان المستضعف مستنهضا له ومبينا أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى فقال (( لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا )) .
وعلي (ع) هو نتاج المدرسة الإسلامية بمنهجها القرآني ومعلمها الأول محمد بن عبد الله (ص) .. وكلمته جائت في سياق المفاهيم النظرية التي حملها الإسلام وعبرت عنها آلالاف النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والممارسات العملية للرسول وأهل بيته الطاهرين (ع) .
وقد جاء على لسان الناطق بإسم لجنة حقوق الإنسان التابعة للإشتراكية الدولية (بيتر يانكوفيج) في ندوة شارك فيها رئيس منظمة العفو الدولية (بيرسونا) وكبير خبراء حقوق الإنسان في النمسا (أرماكورا) حيث قال ((إن القرآن الكريم يضم كل مبادى حقوق الإنسان)) وهي شهادة لسنا بحاجة لها لكنها تأتي في إطار الرد على محاولات تزيف الحقائق وتدليسها التي تقوم بها جهات كرست ثقافة (الحق مع القوة) أو (القوة هي الحق) وأسست ل(شريعة الغاب) التي تحكم العالم اليوم .
بينما كرست الرؤية الإسلامية منذ بداية بزوغها قيم التسامح والمحبة بين بني الإنسان وأسست ل(شريعة الله) خالق الإنسان الرحمن الرحيم .. وأكدت على الحاكم قبل المحكوم لأنه الأقدر على تكريسه وإعطاء كل ذي حق حقه .. فمن وصية للإمام علي (ع) لواليه على مصر مالك الأشتر ((فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك .. )) وقوله ((الدين أس والسلطان حارس فمن لا أس له فمهدوم ومن لا حارس له فضائع )) وقوله ((إن الله ليزع بالسلطان مالايزع بالقرآن)) وهذا تعضيد لرقابة الضمير ورقابة الله سبحانه غير المنظورة برقابة منظورة .
وكانت المدرسة النبوية الشريفة سابقة في هذا المضمار ف((الناس سواسية كأسنان المشط)) و((لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى )) و(( لا لإبن البيضاء على إبن السوداء إلا بالحق )) و((خير الناس من نفع الناس)) و((وخير المسلمين من وصل وأعان ونفع)) و((والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )) و((المؤمن حرام دمه وماله وعرضه)) وقوله (ص) ((من كنت جلدت له ظهرا فذا ظهري ، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي ، ومن كنت أخذت منه مالا فهذا مالي )) فهل يقاس مثل هذا بما نصت عليه بعض الدساتير ((الملك مصون غير مسؤول)) و((الخليفة ذات مصونة ولاتجوز مخاصمته بإسمه في المحاكم )) . بينما مثل الإمام علي (ع) أمام الحاكم عندما قام يهودي بمرافعته وكان أعلى سلطة قضائية في زمانه .
أما النصوص القرآنية فهي أكثر من أحصيها الآن .. فقد سجلت بلا مزايدات إعلامية أروع النصوص في إحترام حقوق الإنسان ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا)) الإسراء 70و((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) التين 4و((الذي خلقك فسواك فعدلك)) الإنفطار7و((إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) الحجرات 13و((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)) الممتحنة 8و((أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) يونس 99و((إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)) القصص 56و((لا إكراه في الدين)) البقرة 256و((لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)) البقرة 190و((فلا عدوان إلا على الظالمين)) البقرة 193و((يا أيها الذين آمنوا لا تدخلو بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ..)) النور 27وغيرها الكثير .
وإذا أردنا الرجوع الى الوثيقة الحقوقية الأخلاقية التي كتبها الإمام زين العابدين (ع) تحت عنوان (رسالة الحقوق) والتي تعتبر أول إعلان إسلامي عالمي لحقوق الإنسان قبل أن يعرف العالم معنى الحقوق وثقافة الحقوق وهي نتاج مدرسة الفعل قبل القول ، ومدرسة ((من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق)) و ((أأقنع نفسي بأن يقال عني أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر وأكون أسوة لهم في جشوبة العيش)) و ((والله رقعت مدرعتي حتى إستحييت من راقعها )) إنها مدرسة نهج البلاغة .
ولنقرأ الديباجة التي كتبها الإمام السجاد(ع) لرسالة الحقوق حيث قال ((إعلم رحمك الله أن لله عز وجل عليك حقوقا محيطة بك ، في كل حركة تحركتها ، أو سكنة سكنتها ، أو منزلة نزلتها ... ، وأكبر حقوق الهر عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى ، وما أوجبه عليك لنفسك من قرنك الى قدمك على إختلاف جوارحك .. ثم حقوق أئمتك وحقوق رعيتك وحقوق رحمك ، فأوجب عليك حق أمك وحق أبيك ثم حق ولدك وحق أخيك ثم الأقرب فالأقرب .. وحق غريمك الذي تطالبه ، وحق غريمك الذي يطالبك ، ثم حق خليطك ثم حق خصمك المدعي عليك ثم حق خصمك الذي تدعي عليه ،ثم حق مستشيرك وحق المشير عليك ثم حق مستنصحك وحق الناصح لك ثم حق من هو أكبر منك وحق من هو أصغر منك .. ثم حق سائلك وحق من سألته ثم أهل ملتك عامة ، ثم حق أهل الذمة ، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرف الأسباب)).
وبعد ذلك يخوض الإمام (ع) في تفاصيل الحقوق فيسجل لكل ذي حق حقه من واقع المعايشة فهو ذو الدموع الساخنة مع المعذبين والظهر المحدودب الذي يحمل المؤن والمساعدات الى الفقراء والمساكين في جوف الليل البهيم .
وهو صاحب الجراب كما يعرفه الفقراء حين يأتيهم سرا وهو الذي آوى أسرا أعداءه حين دار عليهم الزمن وأهلك الله سلطانهم وهو الذي جاء في مضمون كلامه ((لو أن قاتل أبي الحسين إئتمنني على السيف الذي قتله به ثم طلبه مني لأعطيته )) .
وهو الذي صنف الناس ـ في إطار واقع حقوق الإنسان ـ الى ستة أصناف فقال ((الناس في زماننا على ست طبقات : أسد وذئاب وثعالب وكلاب وخنازير وشياه .. فأما الأسد فملوك الدنيا يحب كل واحد منهم أن يغلب ولا يغلب ، وأما الذئاب فتجارهم يذمون إذا إشتروا ويمدحون إذا باعوا ، وأما الثعالب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم ولايكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم ، وأما الكلاب فيهرون على الناس بألسنتهم فيكرمها الناس من شر ألسنتها ' وأما الخنازير فهؤلاء المخنثون وأشباههم لا يدعون الى فاحشة لا يدعون الى فاحشة إلا أجابوا أما الشياه فهم المؤمنون الذين تجز شعورهم ، وتؤكل لحومهم وتكسر عظامهم .. فكيف تصنع الشاة بين أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير ؟! هذه هي (شريعة الغاب) كانت في زمانه (ع) ولا زالت تحكم واقعنا اليوم فهل هناك محل لحقوق الإنسان في هذا الواقع ..
وأوضح مثال نحن قوم في العراق بلد الحضارات وعلى أرضنا سنت أروع القوانين الإنسانية لكننا ومنذ زمن طويل نسمع بحقوق الإنسان لكن لم نعشها منذ أن ولدنا وإلى يوم الناس الذي باتت فيه منظمات حقوق الإنسان مثار سخرية في عالم لا معنى فيه للحق إلا مع القوي المستكبر .
حقوق الإنسان في العصر الحديث
ثم كانت هناك آلاف النصوص ومئات التجارب التي تلت عصر الأئمة (ع) فكم من صرخة أطلقها فقيه مصلح ,ثائر مطالبا بحقوق الإنسان ولسنا في مجال الإحصاء ولا التفصيل . فالثورة الفرنسية جائت متأخرة جدا .. بعد إنفلات الإنسان من رقابة الضمير وضعف العلاقة مع الله تعالى وسقوط أوربا في مهاوي الردى .. فحاول بعضهم ترقيع هذا الفتق .. وقبل فرنسا كانت "من أقدم اللوائح البريطانية ((العهد الأكبر)) سنة 1215حين إضطر البارونات الثائرون ملكهم جون على توقيع العهد المذكور .. ومنها ((عريضة الحق)) التي أصدرها البرلمان البريطاني سنة 1628في مقابل منح الملك (شارلس الأول) المخصصات التي يطلبها ..
ومنها ((لائحة الحقوق)) سنة 1689على أثر الثورة البيضاء .. ومنها ((عقد التسوية)) وهو وثيقة صدرت في عهد وليم الثالث 1701 على يد الحكومة الفاشية . وكلها وثائق سياسية لم تتعرض لحقوق الإنسان بشكل عام " .
لكن البادرة الأكثر تركيزا على حقوق الإنسان هو ((إعلان حقوق الإنسان والمواطن)) الذي أصدرته الجمعية الوطنية التأسيسية سنة 1789بعد الثورة الفرنسية أو أثنائها فأحتلت هذه الوثيقة في فرنسا وأوربا مركزا ساميا وأثرت في الفكر السياسي العالمي خلال القرن التاسع عشر والعشرين .. مع ما في هذا الإعلان من أخطاء ونواقص وإقتضاب شديد لحقوق الإنسان إختصر في سبعة عشر مادة فقط ..
قصد بها أولا المصالح البرجوازية الخاصة مع إهمال الطبقات الدنيا من الشعب التي تمثل أكثريته الساحقة من العمال والفلاحين وأصحاب الحرف وغيرهم .. وحتى الشعب الفرنسي أدرك لاحقا الخطأ والقصور في هذا الإعلان مما إضطره الى تغييره وتعديله مرارا في ظل الملوكية والجمهورية .. وللإستزادة يراجع ماكتبه المفكر الشهيد الصدر الثاني (قده) في كتاب ((نظرات إسلامية في إعلان حقوق الإنسان)) الذي كتبه عام 1962كحصيلة لما إستفاده في كلية الفقه من الدكتور فاضل حسين أستاذ ((التاريخ الحديث)) .
ومع ذلك فهذه الوثيقة الفرنسية فتحت الباب واسعا أمام دراسات وجهود حول الحقوق والحريات الإنسانية سيما في إعلانات ودساتير الدول الشرقية والغربية .. ومن أهمها ((الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)) عام 1948 كوثيقة دولية إعتمدت في ديباجتها على الوثيقة الدولية الصادرة بإسم ((ميثاق الأمم المتحدة)) عام 1945 ، وأعلنت كلائحة قانونية أولى في العالم .. توقع عليها شعوب الأرض كافة ..
وإذا أردنا التحدث عن هيئة الأمم المتحدة لمعرفة ماهية القوانين التي تصدرها فنقول أنها هيئة دولية أريد لها واقعا أن تنظم وضع أوربا والولايات المتحدة وتحمي مصالحهما العالمية .. فلم يكن لدول ما يسمى ((العالم الثالث)) أي تأثير حقيقي ولا دور واضح في رسم معالم التعامل الدولي .. وإنما ضلت محكومة بمعايير غربية ..
وكما يقول بعض الكتاب "إن القانون الدولي مع الأسف الشديد يتصف بملامح غربية واضحة المعالم ، كما إنه مسيحي المنشأ والمولد .." وهذه الصفات جعلته وسيلة بيد الدول الأوربية للوصول الى مصالح غير شريفة على حساب الدول الأخرى وبإسم الشرعية الدولية " .
ويقول في (مصداقية النظام الدولي الجديد) وهذا يدعو للتفكير والتأمل .. خصوصا وأن مفاهيم كثيرة مثل (العدالة والمساواة والحرية) جردت من محتواها الأخلاقي ، فأصبحت ألفاظا تزدحم بها المعاهدات والإتفاقيات ، دون أن يكون لها نصيب في إرساء قواعد قانونية تنصف الجميع .. وهي لا تتعدى المجاز الذي يحتاج الى قرينة والقرينة في حيز التعامل الدولي هي ((مصالح الغرب)) التي تعتبر فوق مصالح الغير دون إستثناء .. فلا يمكن التصديق بألفاظ مثل "العدالة والحرية والمساواة وتقرير المصير والإستقلال وغيرها " لأن لها ألف معنى ومعنى في عرف الأمم المتحدة . وللأستزادة يراجع كتاب "مصداقية النظام الدولي الجديد " لمؤلفه قاسم خضير عباس.
وأبسط مثال "حق الفيتو" الذي أعطي لعدد قليل من الدول الكبرى .. الأمر الذي أخضع قرارات الأمم المتحدة الى إعتبارات سياسية غير موضوعية . فظلت مشلولة وعاجزة عن معالجة كثير من القضايا والأحداث سيما أمام "الفيتو الأمريكي الذي بلغ حدا سخيفا جدا .. وسيما عجزها عن رد إنتهاك الحريات وحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة والتدخلات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط كما حصل في لبنان والعراق وقضايا إيران وغيرها .. والأنكى أن أغلب دول العالم الثالث تتصرف وكأنها غير معنية بما يحدث .. وحكومات هذه الدول تنتهك الحريات وتصادر الحقوق بشكل فضيع .. فكيف تصنع الشاة بين أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير ؟! .
ويؤكد جارودي في كتابه "حفارو القبور .. الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها" أن ما درجنا على تسميته "إكتشاف أمريكا" وتصفه اليونسكو على إستحياء بإلتقاء الثقافات ويحتفل به البابا جون بول الثاني بزهو كأنه تبشير بالإنجيل للعالم الجديد هو في عام 1992 الإحتفال بمذابح الهنود وبداية العهد الإستعماري في التاريخ الحديث ..
وقد كتب عن ذلك د ناعوم تشومسكي تحت عنوان "500 عام الغزو مستمر" .. وقد أطلق الأمريكي فوكاياما على هذه الهيمنة العالمية "نهاية التاريخ" وهو مصطلح لاهوتي يتضمن مسألة دينية خاصة بالأهداف النهائية للحياة .
ومثال آخر على الإستهانة بحقوق الإنسان وحياة الناس ما يجري في العراق اليوم فقد خطط لهذه الجرائم البشعة بحق الإنسان العراقي المسلم منذ زمن .. فقد نشرت مجلة "كيفونيم أي إتجاهات" عن المنظمة الصهيونية العالمية في القدس عدد 14 عام 1982أي عام غزو لبنان .. عن "خطط إسرائيل الإستراتيجية في عقد الثمانينات ومما جاء فيها حول العراق .. أما العراق ذلك البلد الغني بموارده النفطية والذي تتنازعه الصراعات الداخلية ، فهو يقع على خط المواجهة مع إسرائيل ويعد تفكيكه أمرا مهما بالنسبة لإسرائيل بل إنه أكثر أهمية من تفكيك سوريا لأن العراق يمثل على المدى القريب أخطر تهديد لإسرائيل " .
وقد جازفت أمريكا بإدخال العالم الى عصر الإنحطاط وإرجاع العراق الى عصر ما قبل الصناعة وتقطيع أواصر النسيج الإجتماعي وتحويل المجتمع الى ذرات لتخريب العلاقات بين الجماعات القومية والإجتماعية والدينية وذلك بعد الإنحطاط الأمريكي على المستوى الفردي من خلال الإهتمام بالنفس ورفض الآخر ورفض أي مسؤولية تجاهه وعلى المستوى الجماعي كان النزوع الى السيطرة والنفوذ..
فإزداد التفاوت بين الناس وتم إمتصاص القيم وكل ما هو إجتماعي فكل شيء له سعر حتى الجريمة ! حتى الدين دخل عصر التجارة ! ويقول جارودي تحت عنوان "الغابة في مواجهة الجماعة " "واقعيا أصبحت الحقوق الأساسية للمواطن من تعليم وإسكان ورعاية صحية سلعا تخضع للسوق كأي سلع أخرى .. وكتب فرانسوا بيرو "إنها قيم يجب أن لا نسمح بإنحدارها الى أي سوق .. عندما يسيطر على كبار الموظفين ، الجنود ، القضاة ، رجال الدين ، الفنانين ، هذا التفكير وهو البحث عن الربح الأكبر فإن المجتمع يتصدع .. " .
وإنظروا الى ما يقوله بعض فلاسفتهم فديكارت يقول "جعلنا أسيادا وملاكا للطبيعة" وبتعبير آخر إننا نملك القدرة على تدميرها . فالقوى النووية تملك القدرة على تدمير سبعين مليار كائن بشري أي إثنتي عشر مرة الموجودين بالفعل على ظهر الأرض . فهي تملك مخزونا أكثر من مليون قنبله هيروشيما !!. أما هوبز فيقول " الإنسان ذئب الإنسان " أي مواجهات الغابة بين الأفراد والجماعات "الكل ضد الكل" .. وعلى فرض هوبز يمكن للإنسان أن يحل محل الله تعالى عما يصفون ..
فأميركا وجهت دعوة رسمية للأقوياء فقط أن يبقوا على قيد الحياة الأمر الذي يقتضي تدمير فائض سكان العالم الثالث .. ومع الأسف أن دول العالم الثالث لم تتعلم الدرس جيدا ولم تفهم قوانين التاريخ ومعطيات الواقع للخروج من أزماتها ومشكلاتها الحادة والكثيرة ..
فباتت الضحية الأكثر خسارة في لعبة التوازنات الدولية وفي النظام الدولي الجديد فإستنزفت ثرواتها وإستهلكت طاقاتها ولم يحصل إنسانها على أبسط حقوقه ولم يمارس أبسط حرياته .. فبعضها إعتمد على قواه البشرية كالهند والصين وبعضها إرتبط بعجلة الغرب المذلة .. أما الدول النفطية فهي في دائرة الإهتمام الدولي " فرغبة العرب في مواردها سيدفع أمريكا الى ممارسة التهديد بإستخدام قوة التدخل السريع لإستمرار تدفق هذه الموارد وخصوصا النفط ..
وعليه سيكون النفط عامل إضطراب ومأساة الشعوب " "أما الدول الفقيرة فهي الضحية الأكبر فستدفع الكثير وتتحمل الكثير " ويراجع في هذا المجال كتاب (مصداقية النظام الدولي الجديد) .
ومن بين أهم الحلول التي تضع دول العالم الثالث في أول الطريق الصحيح هي إشاعة جو الأمن وإعطاء الحرية للفرد ليعبر عن رأيه الآخر المعارض والمطالبة الملحة بنظام سياسي يعطي الحرية للجميع وفق أسس ومعايير لا تستند على إرهاب حكومي للمواطنين . وإلغاء الدكتاتوريات سيئة الصيت ونظام الفرد الواحد ومداورة السلطة بإنتخابات نزيهة وعادلة وغيرها من الحلول التي لها محل آخر .
وللكلام صلة في إطار المقارنة بين الممارسات المختلفة لمختلف الأجيال والحضارات وإثبات أن إنتهاك حقوق الإنسان هو فعل بشري وليس ديني وقد أنتهكت حقوق الإنسان تحت عباءة الأديان الأخرى عبر العصور أكثر منها في العصور والبلدان الإسلامية .
*محاضرة في ندوة عقدت في كلية التربية في النجف الأشرف حول حقوق الإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق