السبت، 11 ديسمبر 2010

درس الهجرة الى كربلاء


درس الهجرة الى كربلاء
السَيد مُحَمد الياسِري

   الهجرة .. درس بليغ من دروس عاشوراء .. وقد لازم درس الثورة على طول المسار الطويل لصراع الحق مع الباطل والخير مع الشر ..
   والهجرة لغة " كما جاء في لسان العرب لإبن منظور وتاج العروس للزبيدي " مادة (هجر) الهجر ضد الوصل هجره يهجره هجرا وهجرانا وهما يهتجران يتهاجران وفي حديث          " لاهجرة بعد ثلاث" .
  أما الهجرة في الإصطلاح الشرعي فهي الخروج من دار الحرب الى دار الإسلام .. وقال إبن العربي وإبن قدامة .. هي الخروج من دار الكفر الى دار الإسلام .. وقالوا هي الإنتقال من مواضع الشرك والمعاصي الى بلد الإسلام والطاعة ..
   وتلك هي الهجرة المباركة التي دعا لها صريح الكتاب الكريم .. قال تعالى ((إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ))النساء97.
   وهناك هجرة إرادية وأخرى غير إرادية .. ولعل هبوط  آدم النبي ع كان أول هجرة غير إرادية . كما أن للأنبياء والرسل هجراتهم .. كنبي الله نوح ع الذي جاء قومه الطوفان .. ونبي الله إبراهيم الذي هاجر وزوجه هاجر وولده إسماعيل الذبيح الى واد غير ذي زرع .. ووضع القواعد وأذن في الناس بالحج .
   وخرج النبي موسى ع من مصر لأن فرعون وأتباعه كانوا يريدون قتله .. قال تعالى ((فخرج منها خائفا يترقب)) القصص 21.
   وأشهر هجرة .. سجلت في تاريخ البشرية وأحدثت تحولا في حياة الناس .. هي هجرة النبي الخاتم محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" من مكة الى يثرب .. المدينة المنورة لاحقا.. وكانت تكليفا إلهيا وليست تشريفا كما حصل في الإسراء والمعراج .
   وقد أبلغ إبن عمه وصهره وخليفته من بعده الإمام علي بن أبي طالب "ع" بمؤآمرة قريش التي تستهدف الرسالة الإسلامية بإستهداف حياة رائدها .. فقد دبروا له مكيدة في إجتماع تم بدار الندوة بتحريض من أبي سفيان وأبي جهل .. خططوا خلاله لإستهداف النبي وإشراك جميع قبائل المشركين في مكة ليضيع دمه بين القبائل ..
   وبأمر إلهي ((وماينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) طلب من أخيه ووزيره علي ع أن يبيت على  فراشه .. فقال له أوتسلم يارسول الله : قال نعم قال : إذن إذهب .. ولذلك يشير القرآن الكريم ((وإذ يمكر الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )) وفي ذلك نزلت الآية ((ومن الناس من يشري نفسه إبتغاء مرضاة الله إن الله رؤوف بالعباد)) .
   تلك هجرة كانت في السادس من ربيع الأول للحفاظ على أرواح المسلمين الأوائل وكانوا فئة قليلة .. وللحفاظ على الأمر العظيم الذي سبق أن ساومته عليه قريش فرد بقولته الشهيرة "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري... "
  تلك هجرة كانت للحفاظ على الأرواح من أجل الحفاظ على الإسلام .. وهجرة ثانية كانت للتضحية بالأرواح لتلافي التضحية بالإسلام .. وهي تكليف إلهي وواجب شرعي أيضا .
   وهي هجرة الحسين بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله من المدينة الى العراق .. فبعد أن أحدق الخطر بالإسلام وكاد أن يقضي على معالمه .. كان لابد من هجرة ولابد من ثورة ولابد من دم طاهر يوقظ الضمائر وشهادة مقدسة ترد المعالم من الدين .
   فالحزب الأموي قد تسلق الى كرسي الخلافة الإسلامية بالتلاقف الذي هتف به أبو سفيان "تلاقفوها ياآل أبي سفيان" .. "فأصبح التوحيد ستارا للشرك ، والإسلام يعني الإستسلام للحاكمين ، والسنة قاعدة للسلطة ، والحديث عرضة للوضع والتزوير والتحريف ، وبعض أصحاب السابقة تقاضوا ثمنهم ولايات وأمارات ، وإعتزل فريق وفريق ساوم ، والسابقون السابقون أولئك المبعدون المنفيون الى صحراء الربذة المجزرون في مرج عذاء المساقون الى قصر الخضراء .
   فمن لدين الله وهاهو ينتهك ؟ ومن لعباد الله وقد أجبروا على عبادة طاغية الشام يزيد ؟ وماذا ينتظر إبن محمد وعلي ؟ فسطع ضوءه في ظلام مطبق وبانت ملامح الأمل الجديد ..
   الكل يعرفه .. ويعرف مكانته العالية عند رسول الله القائل ((حسين مني وأنا من حسين )).
   فهاهو يستعد لكتابة قصة الفداء بدمه على تراب كربلاء .. ((ألا وأني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما )) .
  الكل يعرف من هذا الذي يحمل روحه على راحه .. والكل يعرف من هذا الذي أعاد صوت محمد بعد أن كاد يتلاشى .. إنه إبن بنت النبي الوحيدة .. إنه إبن فتى الإسلام وليث الوغى الذي شهدت له ساحات بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين والبصرة وصفين .. والكل يعرف من هو علي جيدا ..
   فها هو الحسين يهاجر ثائرا من أجل رسالة جده السماوية لئلا تنطمس .. وهاهو يهاجر ثائرا من أجل الفقراء والمستضعفين والمحرومين والمعذبين الذين يساقون سوق الغنم الى قصر الخضراء .
  هاجر الى العراق بعد أن بعث الى أهل الكوفة إبن عمه وأخاه وثقته من أهل بيته مسلم بن عقيل الذي تخاذل عنه الناس وتكالب عليه المجرمون إبن زياد وجلاوزته .
   هاجر الى العراق والمنادي ينادي القوم يسيرون والمنايا تسير معهم وهو يسترجع وعلي الأكبر لا يبالي بالموت محقا .. لايبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه .
   كان أبو عبدالله مهاجرا الى الشهادة فهو على موعد معها وعلى يقين بها وهي في ثقافته زينة الرجل الثائر (( خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة .. وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس وكربلاء )) .
   فهي إذا هجرة مقدسة ملازمة للثورة على الظلم الذي مارسته السلطة الأموية الحاكمة بإسم الإسلام وهو منها براء .. بعد أن تخلت عن المنهج الإسلامي .. فحولت الخلافة الإسلامية الى ملك عضوض .
   وهجرته مقدمة لثورة تغييرية شاملة ترفع شعار أصالة الرسالة ورفض الظلم والفساد والإنحراف . . من المدينة الى مكة ثم الى العراق حيث الكوفة ثم إضطره جيش قوامه ألف فارس يقوده الحر بن يزيد الرياحي الى تغيير مساره بإتجاه رمضاء الطف .. كل ذلك في سبيل الله ورسوله وقد ورد ((من كانت هجرته لله والرسول فهي لله وارسول ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إمرأة ينكحها فهجرته لما هاجر إليه )) .
  فتلازم مفهوما الهجرة والثورة في ملحمة عاشوراء الخالدة وكلاهما يهدف التغيير وكلاهما يتأسس على إشكالية الظلم .
   وكان لتلك الهجرة الحسينية المباركة دورها الفاعل في تغيير حياة المسلمين .. كما كانت هجرة جده منعطف تحول في حياتهم وأصبحت تأريخم الذي يبتدئون به وينتهون إليه .. وذلك بإقتراح من أبي الحسنين علي بعد أن إختلف المسلمون في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فقال أحدهم نجعلها من عام الفيل وقال ثان وقال ثالث فدخل علي ليحسم النزاع فقال نؤرخ من هجرة الرسول فإستحسنوها وقال عمر ((لاأبقاني الله لمعضلة ليس فيها أبو الحسن)) . ثم إمعانا من الأمويين في حرف التأريخ عمدوا الى تغيير رأس السنة الهجرية من السادس من ربيع الأول الى الأول من محرم لإظهار الفرح والسرور بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام  .
   وما أحوجنا اليوم أخوتي المسلمين الى هجر الذنوب .. والهجرة نحو الله تعالى ورسوله .. والهجرة لنشر الدعوة الإسلامية في ربوع العالم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق