الاجتهاد أنموذجا
بقلم : السيد محمد الياسري
الفقه في اللغة هو العلم بالشيء والعلم له "1" .. قال تعالى (( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول )) "2" .. وهو فهم الشيء الدقيق .. قال تعالى (( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم )) "3" .. وإختار ذلك أبو إسحاق المروزي كما نقله عنه الزركشي في المنثور في القواعد وينقل الزركشي عن القرافي قوله (( وهذا أولى ولهذا خصصوا إسم الفقه بالعلوم النظرية ، فيشترط كونه في مظنة الخفاء ، فلا يحسن أن يقال : فقهت أن الإثنين أكثر من الواحد .. ومن ثم لم يسمى العالم بما هو من ضروريات الأحكام الشرعية فقيها )) .. وقيل هو أي الفقه فهم غرض المتكلم من كلامه ، سواء أكان الغرض واضحا أم خفيا وإختاره الرازي "4" . وقال إبن الأثير (( الفقه في الأصل الفهم وإشتقاقه من الشق والفتح )) . "5" .
أما في الإصطلاح فقد عرفه الفقهاء العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية "6" .. أي ما يرادف لفظ الشرع .. فهو العلم المتكفل بالبحث عن الأحكام الشرعية المتعلق بها خروج الإنسان المكلف من عهدة التكليف والإمتثال لأوامر الله سبحانه وتعالى والإنتهاء عن نواهيه .. والتوفر على ذلك فيه خير الدارين ورقي المجتمعات الإسلامية .
فمتعلق هذا العلم من الأحكام الفرعية هو ((أفعال المكلفين وتروكهم سواء كانت تكليفية كالوجوب والحرمة أو وضعية كالملكية والطهارة وسواء كانت متعلقة بالفرد في سلوكه الشخصي أو بالأسرة والعائلة أو بالمجتمع والدولة والسلوك العام .. أما أدلتها التفصيلة ففيه إخراج للفقه التقليدي أي علم المقلد بفتاوى مقلده فإنه ليس من الفقه الإصطلاحي فيختص علم الفقه بالإجتهادي كما يختص عنوان الفقيه بالمجتهد دون المقلد )) "7" .
فالفقه هو عمل بشري يحاول فهم النصوص الشرعية من كتاب وسنة لوضع أحكام للوقائع الحادثة وتجلية النظام التشريعي الكامل في الإسلام .
من هنا يكون الفقه الإسلامي مرتكزا أساسيا لأي حركة نهوض إسلامي .. ولا يمكن للمسلمين أن ينهضوا بواقعهم بعيدا عن الفقه ومتعلقاته .
سيما الفقه الإسلامي الإمامي الذي يمتاز بعدة أمور منها :
1_ الإستناد الى الكتاب والسنة المروية عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " بواسطة عترته الطاهرة وأتباعه الصادقين الضابطين بلا إنقطاع .
2_ سعة المنابع الحديثية بفضل عطاء أهل البيت "عليهم السلام" الذي دام 250 سنة بعد وفاة الرسول " صلى الله عليه وآله وسلم " لذلك فلا يوجد عجز حديثي كما في بعض المدارس الفقهية التي حاولت اللجوء الى إستعمال إستنباطات ظنية لأن النصوص لا تسعفها لتغطية إحتياجات الفروع الفقهية المستجدة .
3_ نقاوة المصدر تمثل ركيزة أساسية في هذا الفقه فلا يختلف إثنان من المسلمين فيما تتمتع به عترة النبي " صلى الله عليه وآله وسلم" من فضل وطهارة وصدق فهم قرين القران الكريم كما ورد .
4ـ إعطاء العقل أهمية خاصة إنطلاقا من الكتاب الكريم (( إن في خلق السموات والأرض وإختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب )) و((ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون )) و((أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها)) .
وعن أبي جعفر " عليه السلام " قال (( إنما يداق الله العباد يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا )) .
وعن أبي عبد الله " عليه السلام" قال (( من كان عاقلا كان له دين ومن كان له دين دخل الجنة )) . وقد حدد الشرع الإسلامي صلاحيات هذا العقل ومساحة تحركه في فهم النصوص والأحكام .
وبالعقل دخل الفقه الى باب الملازمات العقلية .. كالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ، وحرمة الشيء وفساده ، وتوقف تنجز التكليف على البيان وقبح العقاب بلا بيان ، وإستلزام الإشتغال اليقيني البراءة القطعية .. الى غير ذلك مما يبحث عنه في الملازمات العقلية .
5_ كما أن للإجماع الكاشف عن وجود نص معصوم موقعه في الفقه الإسلامي الإمامي ولكنه ليس حجة بنفسه وإنما لكشفه عن وحود دليل شرعي لدى المجمعين .
6_ كما أن الفقه الإسلامي الإمامي لا يغفل العرف لتحديد المفاهيم وبيان الأوضاع كالرجوع الى قول اللغوي .
وبعد هذه الإلمامة السريعة بالفقه تسنى لنا معرفة موقعه في نهضة المسلمين المعاصرة .. فالنهضة مشروع أمة وهو مشروع كبير يحتاج الى تمتين بناه التحتية وتشييده على أرض صلبة .. فلا نهضة بدون فقه إسلامي شامل يواكب العصر ويلاحق مستجداته .. ولا يتوهم أحدنا اليوم كما توهم بالأمس بإمكانية النهوض بالمسلمين بعيدا عن الفقه والفكر الإسلاميين فقد فشلت محاولا المحدثين من دعاة التغريب ومسخ الهوية لأنها تصطدم بالسماء وأنى لها القوة لذلك .
ولكي يواكب هذا الفقه العصر ويكون مرجل النهضة الإسلامية يجب أن لا نحتجزه عند عصر أو زمن محدد وأن لا نعطي للعقل المسلم جرعات تخدير وذلك بإيقاف باب الإجتهاد ..
ومن واجبي أن أنقل للمذاهب الإسلامية تجربة ثرية حيث إمتازت المدرسة الفقهية الأمامية بترك باب الاجتهاد وإستنباط الأحكام الشرعية مفتوحا أمام فقهائها على مر العصور مما جعل الفقه موافقا لحاجة العصر ومتطلبات الحياة وإحتياجات البشر .
الأمر الذي ألفت الدكتور حامد حنفي فأشار إليه بقوله (( أما علماء الشيعة الإمامية فإنهم يبيحون لأنفسهم الإجتهاد .. ويصرون عليه كل الإصرار ولا يقفلون بابه دون علمائهم في أي قرن من القرون حتى يومنا هذا ، وأكثر من ذلك نراهم يفترضون بل يشترطون وجود "المجتهد المعاصر" بين ظهرانيهم ويوجبون على الشيعة إتباعه وتقليده دون من مات من المجتهدين ما دام هذا المجتهد إستمد مقومات إجتهاده ـ أصولها وفروعها ـ من سلفه من المجتهدين وورثها عن الأئمة كابرا عن كابر ، وليس هذا غاية مايلفت نظري أو يستهوي فؤادي في قولهم بالإجتهاد، وإنما الجميل والجديد في هذه المسألة أن الإجتهاد على هذا النحو الذي نقرأه عنهم يساير سنن الحياة وتطورها ويجعل النصوص الشرعية حية متحركة نامية متطورة تتماشى مع نواميس الزمان والمكان فلا تجمد ذلك الجمود الممضد الذي يباعد بين الدين والدنيا أو بين العقيدة والتطور العلمي ، وهو الأمر الذي نشاهده في أكثر المذاهب التي تخالفهم ، ولعل ما نلاحظه من كثرة عارمة من مؤلفات الإمامية وتضخم مطرد في مكتبة التشيع راجع الى فتح باب الإجتهاد على مصراعيه )) "8" .
والإجتهاد مفردة هامة من مفردات الجهد البشري .. ودوره في بناء الحضارة الإنسانية تكاد تكون محورية في توجيه حركة الإنسان بإتجاه الصنع والإبداع لإرتباطها بالفكر الإسلامي من جهة وبالسلوك الإجتماعي من جهة أخرى ..
فهو كما يعرفه الفقهاء .. بذل الوسع لتحصيل الحكم الشرعي سوء في باب العبادات أو المعاملات أو العلاقات الإجتماعية والسياسية .. وحدوده التحري لضبط النص وفهمه . "9"
وبالإعتماد على الإجتهاد كأداة معرفية وشرعية تستوعب حركة التأريخ وثقافات الشعوب يمكن تعبيد طريق جديدة للتنمية والنهوض والتقدم .. خصوصا إذا تم التخلص من العائق الإبستمولوجي المتمثل في فقه الفروع أو النزعة الفقهية التي تقابل الرؤية الكلية للقضايا الشرعية .
وقد وضعت الشريعة الإسلامية الإجتهاد كمبدأ مستمر لفهم الكتاب والسنة الشريفة وإعتبرت المجتهد قطبا ومحورا ومرجعا للآخرين في شؤون دينهم .. وإعتبرت الإجتهاد واجبا كفائيا .. وحثت على طلب العلم ودراسة علوم الشريعة كما في آية النفر 122 من سورة التوبة .. وحثت على إلتزام قول العلماء .. قال تعالى (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) 43النمل .
وفي رواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " عليه السلام " ((مجاري الأمور على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه))"10" .
وقدد قرر الشهيد محمد باقر الصدر هذه الحقائق في مقدمة رسالته العملية " الفتاوى الواضحة " الرائعة من روائعه حيث يقول (( لو كانت أحكام الشريعة قد أعطيت كلها من خلال الكتاب والسنة ضمن صيغ وعبائر واضحة صريحة لا يشوبها أي شك أو غموض لكانت عملية إستخراج الحكم الشرعي من الكتاب والسنة ميسورة لكثير من الناس لكنها في الحقيقة لم تعط بهذه الصورة المحددة .. وإنما أعطيت منثورة في المجموع الكلي للكتاب والسنة .. وبصورة تفرض الحاجة الى منهج علمي في دراستها .. والمقارنة بينها وإستخراج النتائج النهائية منها .. ويزداد هذا الجهد العلمي ضرورة وتتنوع وتتعمق أكثر فأكثر متطلباته وحاجاته كلما إبتعد الشخص عن زمن صدور النص وإمتد الفاصل الزمني بينه وبين عصر الكتاب والسنة بكل ما يحمله هذا الفاصل من مضاعفات كضياع جملة من الأحاديث ولزوم تمحيص الأسانيد وتغير كثير من أساليب التعبير وقرائن التفهيم والملابسات التي تكتنف الكلام ودخول شيء كثير من الدس والإفتراء في مجاميع الروايات الأمر الذي يتطلب عناية بالغة في التمحيص والتدقيق .. هذا إضافة الى أن تطور الحياة يفرض عددا كبيرا من من الوقائع والحوادث الجديدة لم يرد فيها نص خاص .. فلابد من إستنباط حكما على ضوء القواعد العامة ومجموعة ما أعطي من أصول وتشريعات )) "11" .
وفي الوقت الذي يقرر فيه المفكر الشهيد الصدر هذه الحقيقة في ضرورة الإجتهاد يشير الى تركيز الشريعة على خطورة وأهمية المجتهد العالم الفقيه العادل حيث (( رغبت الشريعة بشتى الأساليب في التقرب من العلماء والإستفادة منهم حتى جعلت النظر الى وجه العالم عبادة .. للترغيب في الرجوع إليهم والأخذ منهم وبقدر عظمة المسؤولية التي أناطتها الشريعة بالعلماء شددت عليهم وتوقعت منهم سلوكا عامرا بالتقوى والإيمان والنزاهة .. نقيا من كل ألوان الإستغلال للعلم لكي يكونوا ورثة الأنبياء حقا .. فقد جاء عن الإمام العسكري " عليه السلام " في هذا السياق قوله ( فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فاللعوام أن يقلدوه ) "12" .. وفي رواية عن الإمام الصادق " عليه السلام أنه قال ( من إستأكل بعلمه إفتقر ، فقيل له إن في شيعتك قوما يحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم ، ويتلقون منهم الصلة ، فقال ( ليس أولئل بمستأكلين إنما ذاك الذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله ليبطل الحقوق طمعا في حطام الدنيا ) " 13" .. وفي حديث عن الرسول " صلى الله عليه وآله وسلم " ( الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ) "14" .. وقد جاء في الحديث عنه "صلى الله عليه وآله وسلم " ( يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الضالين وإنتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد )) "15" .
وقد أخذ الإجتهاد على يد الشهيد الصدر مداه الأوسع فالرجل سبق عصره وإنتقل بمدرسة النجف وبواقع الإجتهاد الفقهي الى مراحل كبيرة .
فقد إتسم المنهج الفقهي عند المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر " قدس سره الشريف " بالإنفتاح والإستيعاب والمعالجة الأصيلة .
وهذا الأمر غريب على أجواء مدرسة النجف آنذاك التي كانت مغلقة على ذاتها في نطاق نشاط المكلفين الشخصي والإبتعاد عن قضايا المجتمع والحياة العامة والخوف من الجديد وسد الأبواب وبناء الأسوار العالية بوجه الفكر الوافد جيده ورديئه ..
الأمر الذي ترك مدرسة النجف في حينه بعيدة عن مواكبة تطورات العصر ومعالجة مستجدات الحياة بما يناسب .
ولذلك أسبابه الموضوعية ولعل من أبرزها التضييق السياسي الطائفي على الحوزات العلمية وعدم إفساح المجال أمامها للتفكير بالإبداع لأن التفكير بحد ذاته يعتبر جريمة في عرف بعض الحكومات الأمية الجاهلة الجائرة التي تعاقبت على حكم العراق .
ولعل المشكلة لم تقف عند حدود النجف الفقهية بل إتسعت لتشمل الإسلام .. كما يلفت الى ذلك السيد الشهيد بقوله (( شملت بعد أن سقط الحكم الإسلامي على أثر غزو المستعمر البلاد الإسلامية ، الإسلام ككل والفقه الإسلامي بشتى مذاهبه وأقيمت بدلا عن الإسلام قواعد فكرية أخرى لإنشاء الحياة الإجتماعية على أساسها وإستبدل الفقه الإسلامي بالفقه المرتبط حضاريا يتلك القواعد الفقهية )) " 1 " .
وقد أدى ذلك الى إنكماش الفقه من الناحية الموضوعية وقد إنعكس ذلك على ذهن الفقيه وعقله فتوجه بإتجاه المسلم الفرد وحاجته بدلا عن الجماعة الإسلامية .
والأخطر أنه (( أدى الى تسرب الفردية الى نظرة الفقيه الى الشريعة نفسها .. وأصبح ينظر الى الشريعة ذاتها كأنها تعمل في حدود الهدف المنكمش )) " 2 " .
ولإدراكه خطورة هذه النظرة طالب الشهيد الصدر في أكثر من موضع بتحرير الفقه من هذه القيود الوهمية المصطنعة التي تحجم دوره وتحتجزه في أطر ضيقة .. وإخراجه الى فضاء الإتجاه الموضوعي وفقه النظريات حيث يستوعب مستجدات وتطورات تطرأ بشكل مطرد على حياة المسلم .
فقد حاكم الإتجاهات السائدة وأبرزها .. إتجاهان أحدهما يأسر الفقه في عالم النصوصوية والبحث النظري دون الإلتفات ... وآخر يرى أن التعمق النظري ليس إلا ترفا فكريا وتسلية عقلية وعليه يتم الإستغراق في أبعاد الواقع دون نظرية ..
وكلا الإتجاهين على خطأ فالفقه في فهم الصدر هو (( المرآة التي تعكس الإسلام )) " 3 " .
(( ففي الفقه تقرر أحكام الإسلام ، في الفقه تحدد مفاهيم الإسلام ، في الفقه تتبسط في إستيعابه وشموله ومواقفه تجاه مختلف المشاكل والقضايا التي تمتد إليها حياة الإنسان ، فالفقه بوصفه عملا علميا هو المرآة هو الواجهة هو المعرف هو المظهر الخارجي الحسي الذي يعيش حتى اليوم تنعكس فيه الشريعة بأحكامها ومفاهيمها وقوانينها فالفقه هو همزة الوصل وعلى دقة التعريف وشموله في هذا العرف وعلى المرآة يتوقف مدى إنعكاس الإسلام وبالتالي مدى وضوحه كرسالة منقذة قادرة على إستيعاب كل مناحي الحياة )) " 4 " .
وأعرب السيد الشهيد عن ضرورة التحرر من عقدة الفقه الفردي أفقه الأحكام وضرورة الإنطلاق في عالم النظريات .. حيث قال (( ...تكون الحاجة الى دراسة نظريات القرآن والإسلام حاجة حقيقية ملحة خصوصا مع بروز النظريات الحديثة من خلال التفاعل بين إنسان العالم الإسلامي وإنسان العالم الغربي .. بكل ما يملك من رصيد كبير وثقافة متنوعة في مختلف مجالات المعرفة البشرية حيث وجد الإنسان المسلم نفسه أمام نظريات كثيرة في مختلف مجالات الحياة فكان لابد له لكي يحدد موقف الإسلام من هذه النظريات أن يستنطق نصوص الإسلام ويتوغل في أعماق هذه النصوص لكي يصل الى مواقف الإسلام الحقيقية سلبا وإيجابا لكي يكتشف نظريات الإسلام التي تعالج نفس هذه المواضيع )) " 5 " .
وبالرغم من إنفتاح الشهيد الصدر على النظريات والأطاريح الجديدة المختلفة فقد عالجها بأصالة كبيرة .
فهو مجتهد وفقيه مقتدر جامع للشرائط ينتمي الى مرسة أهل البيت "ع" التي إتسمت بالأصالة والصرامة المبدأية بل ينتمي الى المدرسة الأصولية تحديدا .. وقد حاز على أعلى درجات الفقاهة بالطرق التقليدية فأبحاثه الفقهية العالية والتي نزلت في كتابه " بحوث في شرح العروة الوثقى " واضحة بهذا الإطار .
إذن فهو يتمتع بحصانة إجتهادية من الطراز الرفيع تؤهله ليعالج مختلف القضايا المعاصرة وقد تدر عبها في إنفتاحه على العصر وإنجازه " فقه النظريات " .
وفقه النظريات هو (( عملية إستنباط وإكتشاف الإطار العام للموقف الفقهي تجاه مجال من مجالات الحياة )) " 6 " .
أو هو (( فهم النصوص الشرعية فهما يراد منه إكتشاف وإستخلاص النظريات الإسلامية ، أو أنه الإجتهاد القائم على الكتاب والسنة والعقل لإكتشاف النظريات الإسلامية )) " 7" .
وموضوعه مجمل النظريات الإسلامية ويعنى بالبحث عن آلياتها وقواعدها العامة وإشكالياتها وفق المنهجية الموضوعية التي إبتكرها الشهيد الصدر وحدد أدواتها وضوابطها وكشف عن أصولها وقواعدها .
فالصدر أول من تداول مصطلح " فقه النظريات " بصورة متكاملة فهو يقول (( أما حيث يريد الفقيه أن يتخطى فقه الأحكام الى "فقه النظريات" ويمارس عملية إكتشاف المذهب الإقتصادي في الإسلام فإن طبيعة العملية تفرض عليه نوع الأحكام التي يجب أن ينطلق منها وتحتم عليه أن تكون نقطة الإنطلاق مجموعة متسقة ومنسجمة من الأحكام فإن إستطاع أن تجد هذه المجموعة فيما يضمه إجتهاده الشخصي من أحكام وينطلق منها في عملية الإكتشاف لفهم الأسس العامة للإقتصاد الإسلامي دون أن يمنى بتناقض أو تنافر بين عصار تلك المجموعة .. فهي فرصة ثمينة تتحد فيها شخصية الممارس بوصفه فقيها يستنبط الأحكام مع شخصيته بصفته مكتشفا للنظريات وأما إذا لم يسعد بهذه الفرصة ولم يسعفه إجتهاده بنقطة الإنطلاق المناسبة فإن هذا لن يؤثر على تصميمه في العملية ولا على إيمانه بأن واقع التشريع الإسلامي يمكن أن يفسر تفسيرا نظريا متسقا شاملا )) " 8" .
وقد أنجز الصدر وفقا للمنهج الموضوعي وفقه النظريات كتبه القيمة " إقتصادنا " و " البنك اللاربوي في الإسلام " و " المدرسة القرآنية " و " الإسلام يقود الحياة " .
فإكتشف خلالها نظريات الإسلام في " الإقتصاد " وفي "المعاملات المصرفية " و "سنن التاريخ " و " عناصر المجتمع " و "نظرية الإسلام في السياسة ونظام الحكم " وغيرها من النظريات التي نقل بها الإجتهاد نقلات نوعية .