الأحد، 6 يونيو 2010

إيذاء رسول الإنسانية "صلى الله عليه وآله وسلم "


إيذاء رسول الإنسانية "صلى الله عليه وآله وسلم "



السيد محمد الياسري

 
ابتلي رسول الإنسانية العظيم ((محمد بن عبد الله " ص" )) بأذى الجاهلين المتواصل .. منذ صدع بدعوته الإسلامية المباركة والى يوم الناس .. كما ابتلي من قبله من الأنبياء والرسل فكم من نبي حاربه قومه ونكلوا به بل وقتلوه لأنه شكك فيما يسطرون .. فلم يسلم نبي قط من الأذى ..
لكن مالقيه خاتم الرسل "ص" كان شديدا وقاسيا .. حيث أمعن الجاهلون في إيذائه ومعاداته ومواجهة دعوته ورسالته السماوية وشن الحروب الشرسة بالأيدي والألسن عليه .. وقد عبّر عن ذلك بقوله ((ما أوذي نبي كما أوذيت )) .. وكأن الكلمة تحكي واقعا مريرا مستمرا يتعرض له الرسول والرسالة ..
فمنذ بزوغ فجر الإسلام العظيم تنادت قوى الظلام لإطفاء نوره .. وأجمعت أمرها على التصدي له بمختلف الوسائل .. وكل غايتها القضاء على الرسالة الخاتمة لأنها الخطر الحقيقي الذي يهدد نزعاتهم الشريرة في السيطرة والنفوذ والتحكم بمقدرات بني البشر ..
ففي البدء إتخذت المواجهة أشكالا عدّة منها ((كتمان الحق وتحريفه )) و ((نقض العهود والمواثيق)) و ((النفاق والتضليل )) و ((الحسد والتعصب)) و ((التعالي والإستهزاء)) و ((الحقد والعدوان)) و ((وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )) 1 و ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن إتبعت أهوائهم بعد الذي جائك من العلم مالك من الله ولي ولا نصير)) 2 .
وفي المقابل كان موقف الرسول "ص" كما أرشده الله سبحانه في كتابه الكريم (( دعوتهم الى الحق وترغيبهم فيه)) و ((التحاج الى الحق)) و ((الرد على شبهاتهم)) و ((كشف نواياهم وإمتحان مدى صدقهم)) و ((إنصاف طلاب الحق منهم)) و ((رفض ولايتهم)) و ((إحترام العهود والمواثيق معهم )) و ((الحذر من إغوائهم وتضليلهم )) و ((التهديد والوعيد للمعاندين منهم )) و ((لعن وقتال المحاربين منهم )) .
وإستمرت الحملات العدائية الى العصور المتأخرة .. للإستمكان من فرض الهيمنة على على العالم الإسلامي وتمزيقه والإجهاز على وحدته .. والعمل على مسخ الشخصية الإسلامية وذلك بحرفها عن منابعها الفكرية والروحية الأصيلة .. لتصبح نسخة مكررة للشخصية الغربية .. فإستخدم الإستعمار سلاح ((التبشير)) في مواجهة العالم الإسلامي ..
وهي حركة في ظاهرها دينية بدعوى نشر الديانة المسيحية في العالم ولكنها في الجوهر حركة إستعمارية توسعية لا رابطة لها بالدين المسيحي ..
فأميركا لوحدها غطت نصف الكرة الأرضية بمبشرين يزعمون أنهم رسل خير وملائكة رحمة ودعاة لحياة روحية .. وكذلك فرنسا العلمانية التي تحضر أبسط الممارسات الدينية بل الواجبات على المسلمين والمسلمات بدعوى مخالفة الدستور العلماني تقوم بحماية رجال الدين المسيحيين في الخارج بينما ((اليسوعيون )) هم خصومها في الداخل ..
والأغرب أن الإتحاد السوفيتي الذي من صلب عقيدته محاربة الأديان قام بعد الحرب العالمية الثانية حينما كان يبغي التوسع السياسي والإقليمي .. يتظاهر بالعطف على رجال الدين المسيحيين ودعا الى ((مجمع مسكوني)) في ((موسكو)) وحضي المؤتمرون بمقابلة ((ستالين)) ..
وكانت حملات التبشير مسيئة بشكل فضيع للرسالة والرسول .. فقد عملوا على التلاعب بالقرآن الكريم والى ذلك يصرح المبشر المعروف (جون تاكلي) ((يجب أن نستخدم كتابهم ـ أي القرآن الكريم ـ وهو أمضى سلاح في الإسلام ضد الإسلام نفسه لنقضي عليه تماما يجب أن نري هؤلاء الناس أن الصحيح في كتابهم ليس جديدا وأن الجديد ليس صحيحا )) 3 .
وليس أقل من ذلك ما فعله المستشرقون .. ضمن خطوط الحروب الصليبية الممتدة منذ مئات السنين .. فقد عبأ المستشرقون كل طاقاتهم لبذر الشك وزعزعة إيمان المسلم .. من خلال الدس والتشويه الذي قاموا به للفكر والتاريخ الإسلاميين .. متسترين بقناع البحث العلمي والنقد .. وقد إهتموا بالكثير من موضوعات الدين الإسلامي .. وخصوصا تناولهم لشخصية النبي "ص" وسيرته بطريقة شيطانية خبيثة .. لإسقاط هذا الثقل في واقع المسلمين .. وقد إستفادوا من مواطن الشذوذ والتزوير والتحريف في السيرة النبوية .. التي حدثت على يد الحكمين الأموي والعباسي فقاموا بتسليط الضوء عليها وإظهارها على أنها السيرة الفعلية للرسول "ص" وبذلك يبدأ البحث النقدي لشخصيته "ص" .. وكشفت أقلام الكثير منهم في ذلك مدى الحقد والغريزة العدائية المتوارثة ضد الإسلام والمسلمين ونبيهم "ص" نبي الرحمة .

وقد برهن الإستكبار العالمي عن مدى حقده وخبثه وإدارته لخيوط المؤآمرة التي تحاك لإسقاط هيبة الإسلام والرسول "ص" وثقله بين المسلمين من خلال رعايته وحمايته للمجرم سلمان رشدي الذي تصدى لتشويه صورة الإسلام والإستهانة بمقدرات المسلمين كالإستخفاف بالرسول الأعظم "ص" والشتيمة والقذف في غاية الإستهتار ومحاولة تحريف القرآن وإستحقار الكرام من الصحابة بل تجرأ على جبريل الأمين ونال من إبراهيم الخليل "ع" .. إستهزأ بالله وآياته ورسله وملائكته وبالمؤمنين .. في كتابه سيء الصيت ((الآيات الشيطانية)) .. ولسنا بصدد إيراد الشواهد من ذلك الكتاب الضلال .. وهو بذلك يستحق القتل ولعنة الله فعن رسول الله "ص" ((من سبّ نبيا من الأنبياء فاقتلوه ومن سبّ وصيا فقد سبّ وصيا)) 4 وقبل ذلك في الكتاب ((إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذابا مهينا )) 5 .
وما رشدي سوى أداة أستخدمت لتمرير هذه الإساءة الفاضحة لذلك دافعت عنه القوى الإستكبارية والأنظمة العميلة في العالم .. مضافا الى نشر الكتاب من قبل مؤسسة النشر العالمية (( بنغوين فينكنغ)) ((pengvinviking)) وهي مؤسسة مشتركة من دار النشر البريطانية بنغوين ودار النشر الأميركية فاينكنغ ونفس المؤسسة كانت قد دفعت مبلغا قره 850 ألف جنيه إسترليني لرشدي مقدما ليكتب هذا الكتاب 6 ثم إن موقف وسائل الإعلام الأجنبية كان فاضحا للجهات التي تقف خلفه ففي صحيفة صنداي تايمز اللندنية ((Sunday times)) يعتبر الكتاب من البدائع الأدبية كتصوير فني جميل ولا تصل الى قمته أي قصة من القصص في عصرنا الحاضر !!
وفي صحيفة اللوموند يعتبر رشدي روائي وأديب مبدع من الدرجة الأولى والكتاب رواية عالية المستوى ونص أدبي ممتاز فكيف يمكن أن ندين هذا النص بحجة أنه يقوم بتجريح دين ما !! كما أن موقف الكيان الصهيوني كذلك عندما أعلن إستعداده لإستقبال رشدي في فلسطين المغتصبة وتوفير الحماية اللازمة له .. كما أن الموساد قدمت له حماية مدى الحياة وذلك دليل آخر على من يقف وراء المؤآمرة . 7 .
وقد ترجم ذلك الكتاب المشين الى سائر اللغات وخصوصا العبرية .. وكذلك الإهتمام البالغ المصطنع بكاتبه وإستقبال الرؤساء له .. فما هو الدافع الحقيقي وراء هذه وغيرها من الإساءات الكبيرة والخطيرة للدين الإسلامي الحنيف ورسول الإنسانية العظيم ؟ .
هل هو صراع بين ا؟لأديان ؟ وهل هو صراع بين الصليبية والإسلام ؟ وهل هو حقد دفين يضمره اليهود للمسلمين ؟ وهل هو صراع بين الغرب والإسلام ؟ أم هي مظاهر الصراع بين الشذوذ والإنحطاط الخلقي والهمجية في الحياة وبين القيم والأخلاق والإنسانية أي بين التضليلات الشيطانية وبين القيم السماوية ؟ . نعتقد أن الهدف هو كل الأديان السماوية لأن الكتاب تزامن مع رواية كتبتها زوجة رشدي الإنجليزية ماريان فيغير وفيه تسيْ الى العالم المسيحي .. وقبل ذلك كان فيلم ((الإغواء الأخير للمسيح)) وفيه إساءة للسيد المسيح ومريم العذراء "ع" وهو من إخراج المخرج الأميركي ((مارتن سكورسيس)) ..
فلا حد لهؤلاء المسيئين المجرمين إلا القتل وهو من التكاليف الشرعية والحدود الثابتة وليس من الأحكام السلطانية والأوامر الولائية .. لأنه لا يحتاج في تنفيذه الى أن يرفع الى الحاكم الشرعي بل كما جاء في الحديث ((يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع الى الإمام )) 8.
وتواصلت الإسائات بصورة مستمرة ووصل الدور الى بابا الفاتيكان الحالي ((بنديكت)) الذي كنا نتوقع منه التقل في التصريحات ..
وإذا بتصريحاته تسئ للرسالة الإسلامية ورسول الإنسانية .. خلال نقله قولا على لسان إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر هو مانويل الثاني ((أن محمدا جلب أشياء شريرة لا إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي يدعوا له بالسيف وأن ذلك عمل غير منطقي وعمل غير عقلاني يعتبر ضد طبيعة الخالق )) .. ليوافق بنديكت هذا النص الكاذب ويزيد عله ويسجل موقفا سلبيا جدا من الجهاد الإسلامي المقدس .. ويعتبر الرسالة الإسلامية رسالة حرب وهو بذلك يجانب الحقيقة بشكل كبير ويظهر عدم إطلاعه الكامل والجيد على تأريخ الإسلام ورؤيته السماوية للكون والإنسان والحيان ـ لو أحسنا به الظن وإلا فهو مغرض ـ فالإسلام دين السلام والتسامح والمحبة والأخوة الى آخر مصفوفة القيم التي حفلت بها المصادر الإسلامية ..

لكني أعتقد أن البابا أسقط في شباك المؤامرة السياسية المعادية للعالم الإسلامي .. ولا ينفع حينها الندم .. وإن تدارك ذلك وإعتذر أمام ردود الفعل الواسعة من علماء الإسلام والمسلمين في العالم .. فقد سقطت صورته من أعينهم .. حيث أعتبرت تصريحاته مساهمة في تأجيج الصراع بين الأديان .. في الوقت الذي كان ينتظر منه ومن قادة الأديان السماوية المساهمة الجادة في ترويج حوار الأديان وحوار الحضارات .. لأن من هدف الأديان أن يعم السلام وتنتصر قيم الخير على قيم الشر .
ويتكرر المسلسل ويتكرر نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد "ص" في الدنيمارك وهي ظاهرة ليست بالجديدة .. بل إنطلقت منذ العصور الوسطى الى الآن .. وفي الرسوم الأخيرة يصور النبي "ص" بصورة نبي عنيف يحمل خنجرا ويحرس إمرأتين منقبتين وأخرى يعتمر عمامة تحمل قنبلة وهنالك تعليقات تحمل سبا مباشرا لنبي الإنسانية وتتهمه بإضطهاد المرأة ..
فيلاحظ في ذلك النساء المنقبات واٌرهاب الحديث أهم صورتين نمطيتين للإسلام في العالم الغربي . وجائت الرسوم بصورة كاريكاتورية مثيرة للسخرية والضحك على الذى الذات المقدسة لرسول الإنسانية .. فهل يمكن الفصل بين هذه الظاهرة والظواهر الأخرى المسيئة للرسول والرسالة ؟ وهل هي مسألة عفية أم مدبرة ؟ ..
نعتقد أن الكيان الصهيوني واللوبيات الصهيونية .. تعمل على توريط الدول الأوربية للدخول في مواجهة مع العالم الإسلامي .. لذلك على تلك الدول أن تعلن مواقفها صريحة من هذه الظواهر السيئة وأن تقوم بالإجراءات اللازمة لإيقافها وإلا فهي تساهم في زيادة الشحناء والحقد والبغضاء والعداء في نفوس المسلمين تجاههم وهذا ليس في مصلحة السلام العالمي الذي ننشده جميعا ونعمل على نشره .


ماذا يعني رسول الإنسانية ؟
هل يعلم هؤلاء الذين يؤذون نبي الرحمة ويسيؤن له ولرسالته الإلهية أنهم يؤذون رسول الله إليهم جميعا .. فهو إستثناء بين الرسل الذين كانوا يبعثون الى قومهم وبلغة قومهم .. فهو المصطفى المختار الذي بعث للعالمين جميعا .. فليس هناك قوم أحق به من قوم ولا أرض أولى به من أرض فهو لكل قوم وعلى كل أرض .. يقول سبحانه ((تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا )) 9 ويقول أيضا ((وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولن أكثر الناس لايعلمون )) 10 ويقول أيضا ((قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)) 11 .
وقد بلغّ رسالته الإنسانية العالمية بأتم بلاغ فبعث السفراء والكتب الى قيصر الروم وكسرى فارس وعظيم القبط وملك الحبشة والحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام وحوزة بن على الحنفي ملك اليمامة وغيرهم من ملوك العرب وشيوخ القبائل والأساقفة والمرازبة والعمّال.
ثم إن محمدا خاتم الرسل والأنبياء ورسالته خاتمة الرسالات وهي الموحدة لجميع الشرايع السماوية .. ((ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما )) 12 .
ثم إنّ محمدا رسول الإنسانية الذي أعاد للإنسان إعتباره الإنساني ومنحه الحرية وأخضعه لحاكمية الله التي تعني فيما تعني ((أنّ الإنسان حر ولاسيادة لإنسان آخر أو لطبقة أو لأي مجموعة بشرية عليه ، وإنما السيادة لله وحده وبهذا يوضع حد نهائي لكل ألوان التحكم وأشكال الإستغلال وسيطرة الإنسان على الإنسان )) 13 .
ولبى حاجات الإنسان الوجودية والكونية والروحية بحكم إنسانيته أي بحكم فطرته لذلك كان نظام العبادات الذي جاء به محمد "ص" قد عالج حاجة ثابتة في حياة الإنسان لأنه علاج بصيغة ثابتة لذلك يصلي إنسان عصر الكهرباء والفضاء ويصوم ويحج كما كان يصلي ويصوم ويحج في عصر الطاحونة اليدوية .. 14
((فالعبادة ثورة الروح على المادة لا لرفض هذه الأخيرة بل لإخضاعها الى القيم فالسير نحو المطلق كله علم وكله قدرة وكله عدل وكله غنى يعني أن تكون المسيرة الإنسانية كفاحا متواصلا بإستمرار ضد كل جهل وعجز وظلم وفقر ...)) 15 .
فهي إذن جهاد مستمر من أجل الإنسان وكرامته والمثل العليا .. وعلى ذلك جاهد محمد "ص" وتأذى وعانى وقاسى من قومه ومن غيرهم لإنه إنطلق من الله الى الإنسان ولم يعتبر الإنسان مجرد نتيجة حتمية لعوامل مادية كما تعتبره النزعة الإنسانية ..


ثم إنّ تعاليم القرآن الكريم ومسيرة الرسول "ص" تؤكد على الحوار كعمل ضروري ومطلوب مع كل الأطراف الإنسانية .. مع الأخوة في العقيدة الإسلامية ومع أهل الكتاب ومن لا كتاب لهم .. مع الأسود والأبيض .. ومع الجبابرة والمتكبرين .. ومع المستضعفين والمساكين لأن الحوار هو الصورة الحقيقية لعقولنا ولما نفكر فيه سلبيا كان أو إيجابيا .. ..
وصريح القران يقول ((أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )) 16 .
وكذلك ((ولا تجدلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون )) 17 وكذلك ((قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ةلا يتخذ بعضنا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا إشهدوا بأنا مسلمون )) 18 .
لذلك لم يتخذ رسول الله "ص" وأمته مواقف عدائية تجاه الرسالات السماوية الأخرى بل هو مبلّغ لرسالات الله جميعا وشهاهد على الرسل وأمته شاهدة على الأمم .. فحقيقة الرسالات الإلهية وجوهرها واحد .. بل كان الرسول "ص" يؤكد على ضرورة إحترام أهل الذمة وعدم التعرض لهم والنيل منهم حيث يقول ((من آذى ذميا فقد آذآني )) !! ويقول ((ألا من ظلم معاهدا أو نقضه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة )) 19 ..
فهل هناك أروع من هذا المثال الإنساني ؟ وهل هناك روح إنسانية بعد هذه الروح التي تظم جميع أبناء آدم بين جوانحها ؟ .
إن محمدا بن عبد الله "ص" نبي الرحمة حتى لهؤلاء الذين يسيئون له بالأمس واليوم وغدا .. ((إنما أرسلناك رحمة للعالمين .. )) .
وهو الذي أرسى دعائم المفاهيم والقيم الإنسانية السامية .. وصاغها في تشريعات وأحكام .. فقد نادى بوحدة المجتمع البشري .. ودعى لتحطيم كل ألوان التفرقة والتمييز والتفضيل على أساس العرق أو النسب أو الوضع الإجتماعي .. ورفع المرأة المؤودة الى مركزها الكريم .. ((وإبن الصحراء التي لم تكن تفكر إلا في همومها الصغيرة وسد جوعتها والتفاخر بين أبنائها ضمن تقسيمها العشائري .. ظهر ليقودها الى حمل أكبر الهموم ويوحدها في معركة تحرير العالم وإنقاذ المظلومين في شرق الدنيا وغربها من إستبداد كسرى وقيصر .. وإبن ذلك الفراغ الشامل سياسيا وإقتصاديا بكل مايضج به من تناقضات الربا والإحتكار والإستغلال .. ظهر فجأة ليملأ ذلك الفراغ ، ويجعل من ذلك المجمع الفارغ مجتمعا ممتلئا له نظامه في الحكم وشريعته في العلاقات الإجتماعية والإقتصادية ويقضي على الربا والإحتكار والإستغلال ويعيد توزيع الثروة على أساس أن لا تكون دولة بين الأغنياء ويعلن مبادئ التكافل الإجتماعي والضمان الإجتماعي التي لم تناد بها التجربة الإجتماعية البشرية إلا بعد ذلك بمئات السنين )) 20 .

إن محمدا بن عبد الله "ص" هو ((دعوة القول والعمل )) و ((ونصرة المظلوم والدفاع عن حقوق الإنسان)) و ((ومقابلة الإساءة بالإحسان )) و ((والشورى في الأمر )) و ((وأخلاقية القائد المنتصر)) و ((أنيس الفقراء والمستضعفين )) و ((الفتوة)) و ((إنما بعثت معلما)) و ((لا ضرر ولا ضرار)) و ((العفو عند المقدرة )) و ((للحيوان حقه)) و ((إحترام حق الآخرين وإن أساؤوا )) و ((العناية والإهتمام بمشاكل الآخرين )) و ((قضاء دين المحتاج )) و ((الوفاء بالوعد )) و ((الرحمة المهداة )) و ((الطاعة في المعروف )) و ((طوبى لمن شغله خوف الله عن خوف الناس )) و ((حسن الخلق )) و ((الكسب والنفقة )) و ((الخلق عيال الله )) و و و ...
وفي الختام أدعوا المسلمين في العالم الى الإنتصار لنبيهم العظيم بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتأسي به وبنبذ العنف والتطرف ودعوة العالم الى دين السلام .. كما أدوا الآخر الى دراسة الإسلام بتجرد عن العصبيات والمواقف المسبقة والإسقاطات والملابسات والصراعات السياسية وأن لا يخلط بين الإسلام وأفعال بعض من يدعي الإنتماء للإسلام أو تمثيله لأنّ للإسلام منابعه الأصيلة المعروفة التي يستقى منها .


* مقال نشر في صحيفة بينات طبعة العراق العدد 100 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق